الإنسان المعاصر يجري بسرعة تفوق قدرته في الحياة. وهو لا يعلم لماذا يجري بهذه السرعة؟ ويشعر أن هناك دائمًا شيئًا سيفوته، إما بالأخبار أو بفرص الحياة. التقنية زرعت هذا الوهم النفسي في الإنسان المعاصر، بسبب كثرة المحتوى المتوفر بالتقنية ومواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أنه يشعر بإلحاح شديد لمشاهدة كل ما تعرضه الميديا، وهذا أمر مستحيل ولا يحتاجه الإنسان. لكن أساليب التسويق بمواقع التواصل تؤثر في الوعي وتجعله يستجيب بطريقة لا إرادية لكل هذه الأساليب، لأنها تركز على نقاط ضعف الدماغ مثل خطف الانتباه بالمبالغة والتشويق، أو بالإغراء والخصومات وغيرها. يبدأ الإنسان بالتعلق ويشعر بأنه سيتأخر عن الباقين إذا فاته محتوى أو ترند في مواقع التواصل.

يبدأ الإنسان في هذه الحالة بالدخول في نمط «العجلة الذهنية». ويبدأ الدماغ في اعتياد أن النمط الأساسي في الحياة هو السرعة بكل شيء، وأن البطء والحياة الهادئة أمر سلبي وقديم وغير مفيد. يبدأ الفرد بعد ذلك بتسريع كل المقاطع التي يستمع إليها لأنه يتوهم أن هناك شيئًا سيفوته إذا تأخر في الاستماع. ثم ينتقل هذا التأثير إلى حياته وعلاقاته الأسرية والاجتماعية. تجده لا يستمع جيدًا ويريد من الجميع اختصار الحديث وينتقل من موضوع إلى موضوع بطريقة «مواقع التواصل»، ويعتقد أن الناس مثل «التيك توك» و «الإنستجرام»، يستطيع أن يسحب الشاشة لأعلى من أجل تغيير الموضوع والبحث عن ترفيه سريع.

«العجلة الذهنية» التي تسببت بها مواقع التواصل أدخلت الإنسان المعاصر في اضطراب زمني نفسي. أصبح يعتقد أن فعل الشيء بطريقة بطيئة «اعتيادية» أمر غير طبيعي. لذلك، إذا بدأ ممارسة الحياة الطبيعية اجتماعيًا يدخل في حالة من التوتر، بسبب أن الحياة الواقعية ليست بسرعة التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي. كما أن التواصل الهادئة مع العائلة والأصدقاء يصبح أمرا مملا لأنه ليس سريعًا ولا يحمل مفاجآت ومتع لحظية.


في حقيقة الأمر لا يوجد شيء مهم على التقنية ومواقع التواصل يستحق كل هذا القلق. كل ما يُعرض أغلبه مكرر بصور مختلفة. والمحتوى المفيد للإنسان قد يحصل عليه في يوم/ يومين فقط خلال الأسبوع في عدة ساعات. أما باقي محتوى السوشال الميديا فمن المفترض التعامل معه كمصدر ترفيه لا يحمل أهمية كبيرة. بحيث يجب على الإنسان أن يعامل مواقع التواصل كممارسة وقت الفراغ، ووقت البحث عن متعة أو متابعة ما يحدث في العالم، بشكل ترفيهي غير مؤثر في الحياة الخاصة.

والأهم من ذلك أن يعي الإنسان أهمية إدراك وهم «الزمن التقني» (=الزمن الوهمي السريع الذي صنعته مواقع التواصل). يجب أن يعي الجميع أن مواقع التواصل تهدف إلى السيطرة على وعي الإنسان قدر المستطاع، وتفعل ما بوسعها من أجل خطف انتباهه طوال الوقت، مثل خاصية التنبيهات والإعلانات المستمرة والخصومات المتكررة وإرسال الإيميلات التذكيرية. الأهم عند هذه المواقع هو السيطرة على وعي الإنسان قدر الإمكان. ولا تهمها صحتك النفسية أو عواقب ذلك في حياتك الخاصة وعلاقاتك الأسرية والاجتماعية.

هذا الوعي التقني كفيل بصناعة وعي مضاد من أجل التعامل مع التقنية بأسلوب صحي متوازن. التقنية ومواقع التواصل، صُنعت من أجل خدمتنا وليس العكس. بمعنى أننا نحن من يتحكم بها ويستفيد منها بالقدر الذي نحتاجه دون أن تسيطر علينا وعلى وعينا، وتدخلنا في «زمن وهمي» بعيد عن الزمن الطبيعي للواقع. الحياة الهادئة هي الأصل وهي الطبيعة التي تناسبنا، وتحمل لنا سعادة دائمة أكثر من متع التقنية اللحظية.

@ibnzadan