تكمن أهمية التلقي المسرحي في قيمة الحمولات الثقافية والرسائل التي يعود بها المشاهد بعد انتهاء العرض وإغلاق الستار إما على شكل تساؤلات بينه وبين ذاته القلقة، أو فضاءات للنقاش والتحاور حيال القضية التي طرحها العمل وعكس واقعها على خشبة المسرح، وهذا ما لم يحدث – من وجهة نظري – مع العمل الذي قدمه الفنان الكويتي طارق العلي مع فريقه في مسرحية "الطرطنقي" على مسرح المفتاحة مساء أول من أمس، فالعمل برمته مرتجل من ناصيته إلى أخمص خاتمته، حيث يعتمد بصورة مطلقة على براعة "العلي" في إنقاذ المواقف وتعبئة الحوار مظهرا زملاءه المشاركين له في الحوارات المسرحية على أنهم مجموعة من المؤدين قليلي الخبرة والدراية على الرغم من أن بعضهم شارك في عدد كبير من الأعمال الدرامية المتلفزة والمسرحية، وخارجا عن النص خروجا غير مبرر في كثير من الأحيان بداعي كسر الحاجز الرابع، غير أنه كسر يحطم سيرورة العمل وتواتر التفاعل مع الطقس المسرحي الذي طالما وجد كبار المبدعين صعوبة في طرائق خلقه ليكون مقنعا للمشاهد الذي جاء ليستمتع ويرتقي فكرا وثقافة ومعرفة بواقعه في الآن ذاته.
سأفترض أن معوقات معينة وقفت دون ظهور العمل بالشكل المعروف عن المبدع طارق العلي، مثل إمكانات المسرح أو عدم وجود عنصر نسائي في العمل أو الوقت الكافي لـ"البروفات" ومع ذلك كله فلا يمكنه إلا تحمل مسؤولية مشتركة مع إدارة مهرجان أبها بالنظر إلى تدني مستوى العمل على صعيد الفكرة والطرح، وخروجه عن تقاليد المسرح المتعارف عليها، والتي أصبح المتلقي على علم بتفاصيلها بل ومقدرة على نقدها وإظهار مكامن الخلل فيها، خاصة أن المسرحية قد قدمت في أكثر من دولة خليجية وليست المرة الأولى لتقديمها.
لقد أمضينا ما يقارب الثلاث ساعات في الاستماع إلى "إفيهات" مكرورة ومتوقعة من طارق تجاه زملائه شهاب حاجية، وفرحان العلي وغيرهما، بعضها يتماشى مع السياق وبعضها الآخر مما عهدناه عنه في مسرحياته كلها، يحدث كل ذلك وكأن "الإفّيه" هو النص الأصلي فيما النص المكتوب – إن كان مكتوبا - هو الظل، لنجد أنفسنا أمام ردح طويل من استعراض الألفاظ والإيحاءات والإسقاطات التي وضعت لترمم ما تساقط من جدار الفكرة والصراع داخل العمل.
لقد تجاوز المسرحي الألماني "بريخت" الحائط الرابع معتمدا على حوار ضمني بين الكاتب والمؤدي والمتلقي في عملية تجسير محدودة لهدف محدد كذلك، وهي تقنية اتبعها كثيرون بعده، لكنها لا يمكن أن تصل إلى اعتراض طريق المارين قرب خشبة المسرح، وحمل الأطفال نيابة عن أهليهم ومحاولة إرضاعهم.