لم يكن هذا القرار وليد اللحظة. فالتعرض المستمر للتقارير السياسية المليئة بالتوتر، والنقاشات الصاخبة التي تنتهي غالباً بلا نتيجة، استنزف أرواحهم. ليصبح الخيار الوحيد هو كتم الصوت، حذف القنوات، والابتعاد عن كل ما يمت بصلة للنقاشات الساخنة، سواء حول اليمن، سوريا، أو غيرهما. الهروب لم يكن رفضاً للواقع بقدر ما كان محاولة للبقاء على قيد الحياة النفسية.
لكن هل الهروب من الأخبار حقاً هو الحل؟
مؤخراً، ومع تصاعد الأحداث في سوريا، وجد هذه الفئة أنفسهم مجبرين على مواجهة الحقيقة مجدداً. المشهد كان أقوى من قدرة أي إنسان على الهروب. تناقضات لافتة طغت على المواقف، مشاهد الفرح اختلطت بالبكاء، والتصريحات المتفائلة تزامنت مع تعبيرات الخوف والارتباك. وكأن العالم يعيد رسم صورته المليئة بالتناقضات أمام أعين الجميع.
بينما كان البعض يحتفل بما يعتقد أنه نصر، كان آخرون يئنون تحت وطأة الخوف مما يحمله الغد. فالصراعات، وإن بدا أنها تنتهي على السطح، تحمل في طياتها أوجاعاً جديدة وشكوكاً لا تتبدد.
الحاضر يُعيد صياغة نفسه باستمرار في شكل تهديد للمستقبل، والخوف من القادم لا يرحم حتى أولئك الذين حاولوا الابتعاد.
المفارقة هنا، أن الانسحاب من الضجيج الإعلامي لم يعد ممكناً بالكامل. فالأحداث تجد طريقها دائماً إلى القلوب والعقول، وتعيد فتح جروح لم تلتئم أصلاً. ليس فقط بسبب التغطية المستمرة على شاشات الهواتف والتلفاز، بل لأننا كبشر موشومون بذكريات الأوطان ومآسيها. الذكرى لا تهرب، والألم لا يمحى.
ورغم الثقل، يبقى الأمل رفيقاً لا غنى عنه.
الدعاء بات اللغة التي تجمع المتعبين ، الدعاء بأن يعم السلام، وأن ينال الجميع حقهم في حياة هادئة. ومع كل هذا، لا يمكن إنكار التخوف الذي يعيشه العالم من القادم. هل ستقود هذه الصراعات إلى تسويات حقيقية؟ أم أننا نعيش في دائرة مفرغة تعيد إنتاج المآسي بأشكال مختلفة؟
من اليمن إلى سوريا، ومن قلوب تبحث عن السكينة إلى عقول تتوق للفهم، العالم بأسره يواجه لحظة حرجة. فالأزمات ليست مجرد أحداث آنية، بل ظلال ثقيلة تمتد نحو المستقبل.
ويبقى السؤال قائماً: هل الهروب من ضجيج العالم حل؟ أم أن المواجهة الحذرة هي الخيار الأكثر شجاعة؟