كل مثل يروي قصة، ويعكس طبيعة المجتمع وأسلوب تفكيره. من خلال هذا العمل التوثيقي الاحترافي، نستكشف كيف تتداخل الأمثال مع حياتنا اليومية، وكيف تشكل مرآة تعكس قيمنا وعاداتنا. فالأمثال الشعبية تجسد أحد أغنى فروع الثقافة الشعبية، فهي تتميز بطابعها الفريد الذي يعكس ملامح الفكر الشعبي ومعايير الأخلاق والمعتقدات لكل مجتمع.
عبدالكريم الجهيمان، مؤلف هذا الكتاب، مؤرخ وباحث متعمق في تراث الوطن، كرس حياته لجمع شتات الحكمة المتوارثة. لقد أدرك الجهيمان أن الأمثال الشعبية هي مرآة صادقة تعكس ما يختلج في نفوس الناس وما مروا به من تجارب حياتية. لم يكن جهده محصوراً في تدوين الأمثال فقط، بل تعمق في فهم معانيها وسياقاتها، واستنبط الدروس والعبر التي تحملها.
فنجده في محافل عديدة يبرز قيمة هذه الأمثال ويرى أنها تحتوي على جمال وأصالة ودقة في التعبير لا يمكن أن تجدها في كثير من أشكال الأدب الأخرى. يرى الجهيمان أن الأمثال ليست مجرد كلمات متداولة، بل هي تعبير عن الحكمة العميقة المتوارثة التي تلخص مواقف الحياة وتجاربها. ومن هذا المنطلق، كان دائماً ما يشجع على دراستها وفهمها ضمن سياقاتها التاريخية والثقافية، وكجزء من التراث الثقافي الذي يعكس هوية المجتمع وقيمه، حيث يقول: "ولولا أن أتهم بالمبالغة والمحاباة لقلت إن في الأمثال الشعبية والأشعار الشعبية ما يفوق بعض الأمثال القديمة والأشعار القديمة، يفوقها أصالة ودقة في التعبير وقصداً إلى الهدف."
وكان الدافع وراء تفرغه لهذا العمل الكبير تجربة شخصية؛ فعندما أرسل مقالاً لإحدى الصحف، فوجئ باختصاره وحذف أجزاء منه. هذا الموقف أثار غضبه، ودفعه إلى التوقف عن الكتابة احتجاجاً على ما اعتبره تدخلاً غير مبرر. وبدلاً من الاستسلام للإحباط، قرر أن يستغل هذا الفراغ في شيء مفيد لوطنه، فيقول: "رأيت أنني لابد أن أستغل هذا الفراغ في شيء يفيد بلدي... فقررت أنني أصرف جهدي ومقدرتي ووقتي لجمع هذه الأمثال."
جمع الجهيمان الأمثال عبر رحلاته بين القرى والمناطق، حيث كان يتحدث مع كبار السن، ويستمع إلى قصصهم، ويكتب الأمثال فور سماعها. ويصف طريقته قائلاً: "أنا إنسان اجتماعي، اجتمع بالصغير والكبير، والذكر والأنثى .. وفي هذه الأثناء يأتيني الأمثال .. فأكتبها فوراً لكي لا أنساها." وقد شجع الناس على مشاركته أمثالهم عبر دفع ريال واحد لكل شخص يزوده بمثل شعبي، مما أسهم في إثراء مشروعه.
كان إدراكه لضرورة حفظ هذا التراث عميقاً، ويؤكد قائلاً: "إذا لم نحفظ هذا التراث الآن فإنه سيضيع، لأن الأجيال الجديدة لا تعرف شيئاً عن ماضي بلادنا".
قراره بتكريس وقته لجمع الأمثال كان نقطة تحول، ومن خلال جهوده، تمكن من حفظ كنز ثقافي يمثل عراقة المجتمع وقيمه. ودورنا نحن أن يكون لنا الوعي الكامل بأهمية هذا التراث، لنستطيع تمريره للأجيال القادمة حتى لا تندثر هذه الكنوز الثقافية وتفقد قيمتها.