ولد «محمد أحمد الراشد» في الثامن من يوليو 1938، في حي الأعظمية في بغداد، وهو الحي ذاته الذي انطلق منه التنظيم العراقي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وذلك بعد ولادة «الراشد» بسنوات قليلة فقط، حيث أنشئت أولى خلايا الإخوان المسلمين في ذلك الحي من قبل مجموعة أساتذة جامعيين مصريين اُستُقدِموا للعمل في العراق، كما قدمنا في مقالات سابقة.

بدأ اهتمامه بجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في سن 13، وانضم إليها رسميًا في مايو 1953، وهو ابن 15، حينما أخذ بيده إلى الجماعة الإرهابية أول مرة وهو صبي يافع وليد الأعظمي، وظل ملتزمًا ببيعتها وأدبياتها حتى وُرِي الثرى، فصاغت مبادئ الإخوان التنظيمية والتربوية فكره الحركي الخطير، وأضحى رجالها المؤسسون قدوته ونموذجه في الجد والاجتهاد والجندية الحزبية والالتزام الحركي، وتأثر بشكل مفرط بحسن البنا وسيد قطب، وأصبح أحد حراس إرثهم الفكري، شرحًا وتفسيرًا وتحليلًا وإعادة إنتاج وتدوير له بمختلف الصيغ.

كانت فترة انضمامه للجماعة الإرهابية فترة النشاط العلني لها داخل العراق أيام العهد الملكي، وإبان ثورة 1958 قرر التفرغ للدراسة بتوجيه من قيادات التنظيم بعد التضييق الذي عانته الجماعة والضغوط التي تعرضت لها، فدرس في كلية الحقوق في جامعة بغداد، وتخرج فيها سنة 1962، ومارس المحاماة لمدة وجيزة، ثم عمل صحفيًا لفترة معينة في صحف محسوبة على التنظيم الإرهابي، وبعد ذلك تفرغ للعمل التنظيمي والحركي السري، بمختلف أصنافه ودرجاته، من توزيع المنشورات خفية في جنح الليل، إلى كتابتها لاحقًا، إلى قيادة الشباب في المساجد والمنتديات، وغير ذلك من الأعمال الحركية.


اضطر الراشد في أبريل 1971 إلى التواري عن الأنظار لمدة 8 أشهر داخل العراق بسبب الظروف الأمنية، والتضييق الشديد من قبل حكومة البعث على الجماعة، فتحولت إلى العمل السري، وإخفاء كوادرها المهمة عن الأنظار، وهنا تقرر أن يغادر «الراشد» البلاد.

في 1972، وحينما حط في الكويت رحاله المثقلة بأوضار الفوضى والثورة، بدأ بالعمل التنظيمي الذي قاد فيه مجموعات من الشباب الكويتي كان من أوائلهم طارق السويدان وآخرون، وعمل إضافة إلى ذلك في مجلة «المجتمع»، التي تصدرها جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت، والتي انطلق عددها الأول في 17 مارس 1970، وكان رئيس التحرير وقتها، مشاري بن محمد البداح.

دشن عبد المنعم بن صالح بن محمود العلي العزي المكنى بأبي عمار، أول مقالاته في مجلة «المجتمع» باسم «محمد أحمد»، في العدد (101) في 23 مايو 1972، وفي العدد التالي (102) في 30 مايو 1972 انطلقت كتاباته تحت اسم «محمد أحمد الراشد»، وهو اسم حركي كتب وحاضر تحت غطائه الوارف لعقود ممتدة، حتى وافاه الأجل، ولمقالاته في «مجلة المجتمع» مزيد حديث في قادم الحلقات.

في يناير 1969، أصدر أول كتبه، وهو «أقباس من مناقب أبي هريرة»، عن دار النذير للطباعة والنشر في بغداد، وهو جزء مستل من كتاب موسع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- كان حينها تحت الإعداد، وصدر لاحقًا في مرحلته في الكويت سنة 1973، عن دار القلم اللبنانية، ومكتبة النهضة (بيروت/ بغداد)، بعنوان: «دفاع عن أبي هريرة»، وسبب إصدار كتابه «الأقباس»، ما ذكره في كتابه اللاحق «دفاع عن أبي هريرة»، بأنه جاء ردًا على شخص في مدينة الموصل وصفه بالناعق، تطاول على أبي هريرة وتناوله بالسوء، فهب خطباء الجمعة فيها للإنكار عليه، فرفع عليهم دعوى قضائية، وكسبها، وهذه الحادثة كانت في 1967، أي قبل طباعة «الأقباس» بسنتين.

وكتاب «الأقباس» هذا هو أحد أربعة كتب لا خامس لها، دبجها «الراشد» باسمه الصريح، حيث كتب على طرته في طبعته الأولى، اسم «عبد المنعم صالح العلي»، وفي داخله ختم المقدمة «بعبد المنعم صالح العلي العزي»، وفي الطبعات التالية كتب اسمه عليه رباعيًا، أما كتابه الثاني «دفاع عن أبي هريرة»، فقد دبجه بطبعتيه (1973/ 1981) «بعبد المنعم صالح العلي العزي»، والكتابان الآخران اللذان كتبهما باسمه الصريح الرباعي هما كتاب: «أصول العقيدة الإسلامية» وهو تهذيب لشرح بن أبي العز للعقيدة الطحاوية، وكتاب: «تهذيب مدارج السالكين»، وقد طبعا في 1981، عن وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية، احتفالًا بمقدم القرن الهجري الخامس عشر، رغم أن هذين الكتابين سبقا بثلاثة كتب ضمن سلسلة إحياء فقه الدعوة، طبعت في مؤسسة الرسالة البيرويتة، كتبها باسمه الحركي، وربما يعود سبب كتابته لاسمه الصريح على كتابي الوزارة كونها جهة رسمية يعمل بها في مجال البحوث الإسلامية، فكان الحري به الكتابة باسمه الحقيقي.

وعلى هذا يكون ترتيب أول ثمانية كتب «للراشد» على النحو التالي: «أقباس من مناقب أبي هريرة، 1969»، و«دفاع عن أبي هريرة، 1973»، باسمه الصريح، ثم «المنطلق، 1975»، و«العوائق، 1978»، و«الرقائق، 1980» باسمه الحركي، ثم «أصول العقيدة الإسلامية، 1981»، و«تهذيب مدارج السالكين، 1981»، باسمه الصريح، وهنا توقف عن الكتابة أو الظهور العلني أو غير العلني باسمه الصريح.

وحول قصة اسمه الحركي، يقول «الراشد» في لقاء له مع «قناة الجزيرة، 2004»: «لما ذهبت إلى الكويت كانت أجواء العمل حرة ودعاة الإسلام يعملون عملًا مكثفًا، بواسطة جمعية الإصلاح الاجتماعي بخاصة، وبسرعة قبلوني كمحرر في الجمعية في مجلة الجمعية، وبدأت أكتب مقالات أسبوعية، وأشارك في تربية شباب الجمعية وخلال ذلك، كانت هناك محاولات من المخابرات العراقية؛ لكبت المعارضين الذين هاجروا إلى الكويت وأنا منهم؛ لمحاولة إلقاء القبض عليهم ونقلهم مباشرة إلى الحدود العراقية ليكونوا تحت رحمة المخابرات، فكان من تمام الحكمة أن أعمل وأتستر وراء اسم مستعار، ظل هذا الاسم المستعار بعدئذ هو الذي يتداول وشهرني نتيجة ذهابي إلى مؤتمرات عديدة وتنقلي في بلاد كثيرة، فكان من اللائق أن أتستر وراءه لوجود هذا التتبع من قبل المخابرات العراقية آنذاك».

على كلٍ، حكاية هذا الرجل يجب أن تكتب وتقرأ، ويجب أن تروى وتسمع، فمنه انطلق منظرو الجماعة الإرهابية لرسم فكرها السياسي والحركي والاقتصادي والإعلامي، ومن فكره وما صنعه من مناهج نشأت وتكونت المحاضن والخلايا الإخوانية على امتداد العالم، وهو جدير بأن يعتبر أهم من صاغ وألف المناهج التربوية والحركية والفكرية للتنظيمات الإخوانية الإرهابية على مدار تاريخ الجماعة الممتد، ففاق من سبقه، ولم يستطع من بعده بلوغ شأوه في التنظير الحركي والفكري للتنظيم، بل والتطبيق والتدريب على تلك النظريات، وهو الذي جاب العالم من أقصاه إلى أقصاه محاضرًا ومعلمًا ومدربًا ومعالجًا أو محكمًا للأدواء التنظيمية، والمشكلات الحركية التي عانت منها الجماعة الإرهابية، وكان آخرها انشقاق الصف الإخواني في 2015، ويكفي أن تعلم أن كتابه «المسار»، كتبه بعد أكثر من 3000 اجتماع وورش عمل على الأقل، كل هذا قبل بدء عقد الثمانينيات فقط، فما بالك بكتبه بعد ذلك، وما بالك بما لم يرَ النور منها بعد، وما بالك كذلك بالذي لن يرى النور لسريته الشديدة، وأجزم أن فهم هذا إرث هذا الرجل، وقراءته بدقة، كفيل بفهم عمل الجماعة الإرهابية والتنبؤ الدقيق بخطواتها القادمة بكل سهولة. وللحديث صلة.