من الصعب بل المستحيل اقتلاع الخلافات الفقهية والفكرية من الحياة، سواء كان ذلك بالترغيب أو حتى بالترهيب، خاصة إذا صاحب ذلك غرور أو تكبر، والأمل دوما في حرص الصادقين المخلصين على القضايا العامة المتفق والمجمع على أنها «حلال بيِّن» أو «حرام بيِّن»، والكف عن رفض التنوعات الثقافية والاجتماعية، والفقهية، والتحاور فيما ينفع الناس، ويمكث في الأرض، بعيدا عن الحلول التي يغلب عليها الصراع، دون حرص حقيقي على العلاج والاحتواء، وأي تجفيف يقلص من مساحات الخلاف، ويحاصر التنوعات، يزيد من إبعاد العامة عن الفطرة السليمة، وعن اتباع أهل العلم، وعن الفهم الصحيح للسلف، ويقربهم من أهل الانحراف والجهل والشهوات والبدع والضلال، خاصة إذا صاحب هذا تحريفات في المفاهيم، وتقريب لدعاة البدع والأهواء والتعصب، واستخدام وتوظيف أي تنوع وتعدد ضد السلم والاستقرار.
الخير كل الخير في حماية العلماء والدعاة وطلبة العلم عامة الناس من الوقوع تحت سندان تجفيف المنابع، ومطرقة تحريف المفاهيم، وتبيين خطورة رفض التنوع والتعدد. والخير كل الخير في إيجاد قنوات يُتنفس من خلالها عبير تفسير المعاني الحقيقية لدين الإسلام، بل وللأديان السماوية التي تدعو جميعها للمحبة والتعايش السلمي، وتشكيل فرق عمل تضع قائمة بالأولويات المشتركة، معتمدة في عملها على قاعدة أن التعدديات والتنوعات الدينية «غير المسيسة» ليست خطرا، والمطلوب دوما تدريب الناس وتربيتهم على «فقه الموازنات»، وعلى تغليب مصلحة أوطانهم، وعدم العنف في القول والفعل؛ فالمعالجة الحكيمة والشاملة هي واجبة الوقت.
أختم بأن التنوع والتعدد فرصة للتبادل والتجديد والإبداع، وفي صالح الأجيال الحالية والقادمة، وضمان للانسجام العام، والازدهار التام، ووسيلة لبلوغ حياة فكرية وعاطفية وأخلاقية وروحية مرضية، والدفاع عن ذلك واجب أخلاقي لا ينفصل عن احترام كرامة البشر، وأن إلغاء المختلف، وشيطنة المختلفين خطر عظيم، وغفلة وتغافل عن حقيقة أن الإنسان مخلوق ليختلف، ولولا اختلاف البشرية لما تخلصوا من أسر التفكير التقليدي؛ وأنه لا جدوى من تشويه صور الناس، وجعل حياتهم متسمة بالتوتر والغضب والصدام، ومسكونة بالخوف والكيد والتلفيق. ولا خيار أمامهم سوى الاستماع لصوت العقل، واحترام التنوع، وتغليب مصالح الأوطان، والالتفات حول ولاة أمورهم، والتحذير من الفتنة والفتانين، والحذر من دفع البعض إلى التستر داخل سراديب مغلقة، والعمل الجاد لأجل الأفكار الوطنية المخلصة، والتفاعل معها، وتقديم التمييز بين العناصر المتطرفة والمعتدلة، وهو التمييز الضروري للاستمرار نحو مستقبل واعد ومشرق، بثقة واطمئنان.