لتسليط الضوء على هذا التحول، يمكن الاستناد إلى نظرية " الفضاء العام" ليورغن هابرماس، الذي يرى الفضاء العام كمجال، يتيح للأفراد التفاعل بحرية وتبادل الآراء والممارسات الاجتماعية بعيدًا عن القيود التقليدية.
يمثل القطار مساحة مادية واجتماعية تجمع بين مختلف أطياف المجتمع. الركاب من خلفيات متنوعة يتقاسمون تجربة واحدة، ما يخلق ديناميكية جديدة تعزز الشعور بالمواطنة والانتماء. إلا أن هذه التجربة ليست خالية من التحديات، فبعض السلوكيات الفردية تعكر صفو هذا الفضاء المشترك.
من أبرز الممارسات التي تثير الإزعاج الحديث بصوت عالٍ في الهاتف، وكأن المتحدث يشارك تفاصيل حياته مع الجميع، بلا مراعاة للخصوصية أو الهدوء. إضافة إلى ذلك، تشغيل مقاطع الفيديو أو الموسيقى بصوت عالٍ دون استخدام سماعات الأذن، يعد تجاوزًا واضحًا لآداب الفضاء العام. ولا يمكن إغفال “اللقافة”، أو الفضول المفرط من بعض الركاب الذين يراقبون شاشات الآخرين، أو يتدخلون في أحاديث لا تخصهم، ما يثير شعورًا بعدم الارتياح.
رغم هذه التحديات، فإن قطار الرياض يعزز التفاعل الاجتماعي والتواصل بين الأفراد بطرق جديدة. أصبحت هذه المساحة مكانًا للتعارف والتواصل غير الرسمي، ما يسهم في تحسين التفاهم بين فئات المجتمع المختلفة. كما أن التجربة اليومية المشتركة تخلق نوعًا من الانسجام الاجتماعي الذي يتجاوز الحدود الطبقية والثقافية.
من الناحية الاقتصادية، يعد القطار إضافة جوهرية تخفف الضغط على شبكة الطرق، ما يحد من الزحام المروري والتلوث البيئي. كما يعزز إنتاجية الأفراد، حيث يوفر وسيلة نقل فعالة ومريحة، ما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي.
قطار الرياض ليس مجرد مشروع بنية تحتية، بل تجربة حضارية تعيد تعريف الفضاء العام في مدينة تشهد تحولات سريعة. نجاح هذه التجربة يعتمد على وعي الأفراد واحترامهم للقواعد الاجتماعية التي تضمن انسجام الجميع.
ختامًا، يمثل قطار الرياض نموذجًا للفضاء العام الذي تحدث عنه هابرماس، حيث يلتقي الناس ويتفاعلون في إطار منظم ومشترك. ومع تعاظم دوره، تبقى الحاجة ملحة لنشر ثقافة الاحترام والتفاهم، لتظل هذه المساحة مكانًا يعزز من جودة الحياة في الرياض، ويجسد طموح المملكة في بناء مدن ذكية ومستدامة.
* أستاذ الصحافة والإعلام الرقمي المساعد بجامعة الملك خالد