الإنسان يعذب نفسه بأوهام تخلق عادات، وتقاليد تجعل منه أسيرًا له لدرجة حرمانه من أن يعيش حياةً بشريةً، طبيعيةً، سعيدةً. وبسبب هذه الأصفاد، والقيود، يكون مضطرًا لأن يعيش حياة بعيدة عن روح الإنسان الطبيعي؛ فيتحول إلى شبح. تمنعه هذه الشبحية من أن يعيش حياة طبيعية، تنبع منها سعادة عبر صنع ذكريات للإنسان، تحتفظ بها ذاكرته، كي يتذكرها مع مرور الزمن، فتنتشي عنده الروح، ويتجدد الحب، وتدوم العشرة عبر تجدد الخيال، ونشاطه لخلق أفكار متجددة لتسجيل ذكريات أجمل، وأروع، وأفضل.

أحد الأصدقاء يحدثني عن زوجته التي تزوجها عن حب، وخلق معها ذكريات عظيمة ما بين برشلونة، في إسبانيا، وما بين شرم الشيخ. فقد استخدم جهاز التلفزيون الموجود في بيتي ليسمعني أغنية محمد عبده «وهم» والتي كان يستمع لها مع حبيبته على شرفة فندق خمس نجوم في برشلونة. هذه الحادثة كانت قبل عشر سنوات، ومن ثم افترقا لصروف الدهر، وعُقَد الزمان! صديقي هذا تزوج بعد عقدٍ من الزمن؛ ولكن لم يستطع أن يَمْحِي تلك الفتاة من ذاكرته! فكيف له أن يفعل ذلك وهو الذي استطاع أن يمارس معها طقوسًا في الحب؛ تعتبر من الموبقات في مجتمعنا! فبعد مرور هذه السنوات؛ وبعد ارتباطه بفتاة أخرى، أكثر تحصيلًا علميًا، وأكثر ممارسةً للحياة، ومن أسرة مرموقة أكثر من سابقتها؛ لم يستطع أن يمارس مع هذه الزوجة الجديدة ذات النشاطات التي تخلق ذكريات تنطبع في الذاكرة، فتكوّن سعادة لهما كلما تذكرا تلك اللحظات الجميلة! السبب في ذلك، هي عقلية المجتمع التي سيطر عليها الوهم؛ وهذا الوهم خُلِقَت منه عادات، وتقاليد، تتضارب مع طبيعة الإنسان التي خُلِقَ عليها! وهي معادية لطبيعة الإنسان الذي يبحث لأن يكون تلقائيًا في علاقاته مع الجنس الآخر.

فهذه الطقوس التي نطلق عليها عادات، كبّلت صديقي، كما كبّلت كثيرًا من أفراد المجتمع لأن يعيش حياة إنسانية بسيطة، بعيدة عن التكلف، والازدواجية، ومراءاة المجتمع الذي يضغط على المرء لأن يكون عكس ما خلقه الله تعالى عليه! حَرّمنا على أنفسنا، وأبنائنا العيش وفق الطبيعة البشرية؛ فجعلناهم يعانون أثناء الزواج. بل، جعلنا الكثير منهم يبحث عن الفتاة الأجنبية كي يخرج من بوتقة العيب. فالعيب أهم لدينا من سعادتنا، فخلقنا شقاءنا بأيدينا!