وبينما نميل إلى التركيز على الأعراض الواضحة، مثل التعب واضطراب النوم، تكشف الأبحاث الجديدة أنه حتى التحولات المتواضعة في جدولنا اليومي يمكن أن تلقي بعملية التمثيل الغذائي الداخلية لدينا في حالة من الفوضى، على الأقل مؤقتا.
وقد ألقت دراسة، نُشرت في مجلة iScience، الضوء على ما يحدث بالضبط لعمليات التمثيل الغذائي في الجسم عندما نواجه تحولا زمنيا صغيرا نسبيا، أي ما يعادل الطيران من نيويورك إلى أيسلندا.
وتساعد نتائج هذه الدراسة في تفسير سبب شعورنا بـ«التوقف» حتى بعد رحلات أقصر، وليس فقط رحلات الماراثون عبر مناطق زمنية متعددة.
دورة معقدة
يعمل جسم الإنسان على دورة معقدة على مدى 24 ساعة، تُعرف باسم «إيقاعنا اليومي»، وهي في الأساس ساعتنا الداخلية التي تساعد على تنظيم كل شيء من أنماط النوم إلى إنتاج الهرمونات إلى التمثيل الغذائي.
ويتم التحكم في حارس الوقت البيولوجي هذا في المقام الأول من خلال منطقة صغيرة في دماغنا تسمى النواة فوق الهرماشية (SCN)، التي تستجيب للإشارات البيئية، مثل دورات الضوء والظلام، لإبقائنا متزامنين مع العالم الخارجي.
تأثير الاستجابة
لفهم كيفية تأثير هذه الاستجابة بالضبط على عملية التمثيل الغذائي لدينا، جند الباحثون 14 مشاركا (8 رجال و6 نساء) لإجراء دراسة مخبرية مكثفة على مدى 8 أيام.
وقد وافق المتطوعون، الذين كانوا أصحاء بشكل عام، ولكنهم يعانون زيادة الوزن أو السمنة المفرطة، على تغيير جدولهم اليومي بأكمله 5 ساعات، على غرار ما يحدث عندما تسافر من الساحل الشرقي إلى أيسلندا.
وسيطر فريق البحث بعناية على كل شيء، من توقيت الوجبة إلى التعرض للضوء لجداول النوم، وجمعوا بيانات مفصلة حول عملية التمثيل الغذائي للمشاركين، بما في ذلك مدى سرعة معالجة أجسامهم الطعام، ومقدار الطاقة التي أحرقوها، وكيف تغيرت مستويات السكر والدهون في دمائهم على مدى اليوم.
تحول متواضع
كشفت النتائج أنه حتى هذا التحول المتواضع نسبيا لـ5 ساعات كانت له آثار كبيرة على عمليات التمثيل الغذائي في الجسم. فمباشرة بعد التحول الزمني، أظهر المشاركون هضما أبطأ في وجبة الإفطار، وتغيرات في أنماط السكر بالدم، وتغيير التمثيل الغذائي للدهون. أصبحت أجسادهم أيضا أقل كفاءة في توليد الحرارة من الطعام الذي يتناولونه، وهي عملية تعرف باسم «التأثير الحراري للتغذية».
ربما كان الأكثر إثارة للاهتمام هو مدى سرعة تكيف الجسم مع الجدول الزمني الجديد، حيث بدأت معظم هذه الاضطرابات الأيضية بالتطبيع في غضون 48 إلى 72 ساعة، مما يدل على أن أنظمتنا الداخلية تتمتع بمرونة ملحوظة. تساعد هذه القدرة على التكيف في تفسير سبب قدرة معظم الناس على التكيف مع المناطق الزمنية الجديدة في غضون بضعة أيام بدلا من المعاناة من تأخر الرحلات الجوية الطويلة إلى أجل غير مسمى.
كما كشفت الدراسة أيضا أن بعض العمليات الأيضية أكثر مرونة للتغيرات الزمنية من غيرها. على سبيل المثال، ظل إنفاق الطاقة في أثناء الراحة للمشاركين - عدد السعرات الحرارية التي حرقوها خلال الراحة - مستقرا بشكل مدهش على الرغم من التحول المقرر، مما يشير إلى أن بعض جوانب عملية التمثيل الغذائي لدينا «مرسوخة» بحزم أكثر من غيرها.
هرمون النوم
تضمنت إحدى النتائج بشكل خاص الميلاتونين - غالبا ما يطلق عليه «هرمون النوم» - الذي يعمل كعلامة موثوقة لساعتنا البيولوجية الداخلية. فبعد تغير الجدول الزمني على مدى 5 ساعات، تم تعديل أنماط الميلاتونين للمشاركين تدريجيا بمعدل نحو 1 - 1.5 ساعة في اليوم. يوضح هذا التكيف المنهجي كيف أن أجسامنا لا تقلب مفتاحا ببساطة للتكيف مع المناطق الزمنية الجديدة، بل تخضع لعملية إعادة معايرة دقيقة.
مساعدة على الفهم
البحث له آثار مهمة تتجاوز مجرد مساعدتنا على فهم اضطراب الرحلات الجوية الطويلة. في عالمنا الحديث، يعاني كثير من الناس بانتظام «تأخر الرحلات الجوية الاجتماعية» - عدم التوافق بين ساعة الجسم الطبيعية والالتزامات الاجتماعية التي تتطلب أوقات استيقاظ مبكرة. وتشير هذه الدراسة إلى أنه حتى هذه التحولات الزمنية الأصغر قد تكون لها عواقب أيضية يجب أن نضعها في اعتبارنا.
تسلط النتائج الضوء أيضا على سبب أهمية الالتزام بالجداول اليومية، خاصة عندما يتعلق الأمر بأوقات الوجبات المنتظمة وأنماط النوم، بشكل خاص للصحة الأيضية. ففي حين أن أجسادنا يمكن أن تتكيف مع تغييرات الجدول الزمني، فإن إجبارها مرارا وتكرارا على القيام بذلك قد لا يكون مثاليا.
يقول المؤلف الرئيسي جوناثان جونستون، أستاذ علم الأحياء الزمنية وعلم وظائف الأعضاء التكاملية في جامعة سري: «يؤكد بحثنا أهمية الحفاظ على جدول نوم ثابت، ولا سيما في عالمنا سريع الخطى الذي تكون فيه الرحلات الطويلة والعمل في نوبات شائعة جدا».
ويضيف: «حتى التحول الزمني الصغير يمكن أن يؤثر على عدد من جوانب التمثيل الغذائي، ولكن يبدو الآن أن العواقب الأيضية لتأخر الرحلات الجوية تتعافى بسرعة أكبر بكثير من ضعف النوم واليقظة. يمكن أن يساعدنا فهم تأثير الإيقاعات اليومية على صحتنا في اتخاذ خيارات مستنيرة بشأن نمط حياتنا. من خلال تحسين أنماط النوم والأكل لدينا، يمكننا تحسين رفاهيتنا العامة».
تحولات متواضعة
توضح الدراسة أنه حتى التحولات المتواضعة نسبيا في جدولنا اليومي يمكن أن تعطل مؤقتا عمليات التمثيل الغذائي المختلفة. مع ذلك، فإنه تظهر هذه الدراسة أيضا القدرة الملحوظة على التكيف مع ساعة الجسم لدينا، مع حل معظم الاضطرابات في غضون أيام قليلة.
ويشير هذا إلى أنه في حين أن التغييرات العرضية بالجدول الزمني يمكن لأجسامنا التحكم فيها، فإن الاضطرابات المتكررة قد لا تكون مثالية للصحة الأيضية.
المنهجية
أجرى الباحثون الدراسة في بيئة مختبرية عالية التحكم، حيث يمكنهم مراقبة كل جانب من جوانب الروتين اليومي للمشاركين.
وقضى المشاركون الأربعة عشر 8 أيام في المختبر، وكان يومهم الأول بمثابة فترة تعديل. وفي اليوم الثاني، اتبعوا جدولهم الزمني المعتاد، ولكن في اليوم الثالث، تم تحويل كل شيء بعد 5 ساعات - الوجبات والنوم والتعرض للضوء وكل شيء. لقد حافظوا على هذا الجدول الزمني المتأخر للأيام المتبقية.
نتائج التغييرات الرئيسة بعد الرحلات الطويلة زمنيا لـ5 ساعات:
ـ أصبح هضم الإفطار أبطأ بشكل ملحوظ
ـ تغيرت أنماط السكر في الدم
ـ تم تغيير التمثيل الغذائي للدهون، مع مستويات أعلى من الدهون الثلاثية بعد الوجبات
ـ أصبح الجسم أقل كفاءة في توليد الحرارة من الطعام
ـ تحول توقيت الميلاتونين تدريجيا نحو 1 - 1.5 ساعة في اليوم
ـ بدأت معظم الاضطرابات في العودة إلى طبيعتها في غضون 2 - 3 أيام