من هنا تبرز أهمية الاستماع ثم الانصات ثم الاصغاء وأهمها الاصغاء لاسيما ونحن نعيش اليوم في عالم يعج بالضجيج،حيث تتداخل الأصوات والمعلومات من حولنا وتزداد المتغيرات والمستجدات ، وتنهال علينا وسائل التواصل الاجتماعي بمالديها من احداث وأخبار متدفقة، ومن ضغط العمل إلى مشاغل الحياة اليومية.
وسط هذا الصخب، يبدو أن مهارة الإصغاء بدأت تفقد قيمتها، وأصبحنا نتحدث أكثر مما نستمع، ونسمع أكثر مما نصغي.
الإصغاء ليس سماع كلمات أو التقاط أصوات فقط، بل هو فعل تواصل عميق يحتاج إلى تركيز كامل وإحساس مشترك.
عندما نصغي للآخرين، فإننا لا نستمع فقط لما يقولونه، بل لما يشعرون به وما يحاولون التعبير عنه. الإصغاء الحقيقي يفتح أبوابًا للفهم المتبادل، ويقوي العلاقات، ويجعلنا أكثر إنسانية.
لكن في عصر التكنولوجيا، حيث يقطع الهاتف حديثنا، وتتداخل الإشعارات مع كلمات أحبائنا، أصبح الإصغاء مهارة مفقودة. نرد بسرعة، نحكم دون تفكير، ونفوت على أنفسنا فرصة الاستماع بقلوبنا قبل آذاننا.
السبب يعود إلى إيقاع الحياة المتسارع وانشغالنا المستمر.
عندما نكون غارقين في أجهزتنا، نميل إلى التفاعل السطحي مع من حولنا.
كما أن الضغوط اليومية تجعل عقولنا مشتتة، فنصبح أقل تركيزًا على ما يقوله الآخرون وأكثر انشغالًا بما نفكر فيه أو بما سنرد به.
لكي نستعيد فن الإصغاء، علينا إيقاف المشتتات التي تحيط بنا، كإغلاق الهاتف أو وضعه بعيدًا أثناء الحديث مع الآخرين.
هذا التصرف البسيط يعكس اهتمامنا ويمنح المتحدث شعورًا بالاحترام. كما أن الانتباه الكامل للكلمات بدلاً من التفكير في الرد، واستخدام لغة الجسد للتعبير عن الاهتمام، والتعاطف مع مشاعر المتحدث، كلها خطوات تساعد على تحقيق الإصغاء الحقيقي.
من المهم أيضًا أن نتوقف عن مقاطعة الآخرين أثناء حديثهم، بل نمنحهم الفرصة لإكمال أفكارهم بحرية.
عندما نصغي حقًا، نقدم للآخرين هدية ثمينة خصوصا في هذا الزمن.
هذه الهدية لا تقوي فقط علاقتنا بهم، بل تُظهر لهم أنهم مهمون، وأن كلماتهم لها وزن ومعنى.
فن الإصغاء، حاجة إنسانية أساسية، ولكن حري بنا تطوير هذه المهارة في حياتنا اليومية، ليس بالتنظير او قراءة كتب علم النفس، وانما بلمسة أخلاقية تحفز شعور الاحترام للآخرين ، من خلال الاصغاء لهم بجدية وتفاعل حقيقي، فالناس في قلق وتكلف وحرج بالغ من تعقيدات الحياة الحالية التي تكاد أن تنهي بعض القيم الأنسانية في عالم مليء بالضجيج.