فالمملكة كشفت لجميع المهتمين من خلال المؤتمر عن قصة النجاح التي انفردت بها خلال السنين الماضية، حيث انطلق البرنامج السعودي لفصل التوائم الملتصقة في العام 1990 ليكون أحد أبرز المبادرات الإنسانية والطبية على مستوى العالم، واستطاع في غضون سنوات قليلة لفت الأنظار بما حققه من نجاحات لافتة.
فالبرنامج تحول إلى نافذة للأمل أمام نفوس ضاقت بها السبل، واستطاع إعادة البسمة إلى العديد من العائلات المكلومة، التي كانت تعاني الأمرين حول العالم، بعد أن تم إجراء 61 عملية فصل ناجحة، واستغرقت هذه العمليات أكثر من 750 ساعة، وشاركت فيها أطقم طبية على درجة عالية من الكفاءة، شملت توائم من 21 دولة.
ومما يزيد من أهمية البرنامج أنه لم يراع سوى الأبعاد الإنسانية عند التعامل مع الحالات التي قام بعلاجها، بغض النظر عن أي حسابات دينية أو عرقية أو مناطقية، ولم يهتم بأي اعتبارات سياسية، فقد استقبل حالات من مختلف أنحاء العالم، مما يعكس الثقة الدولية في القدرات الطبية السعودية.
كذلك لا بد من الأخذ في الحسبان أن مثل هذه العمليات الجراحية باهظة التكلفة، حيث تكلّف العملية الواحدة قرابة المليون ريال، وبما أن معظم الحالات تعود إلى أسر متوسطة الدخل فإن البرنامج يتكفل بجميع نفقات العمليات والعلاج، وحتى فترة التأهيل بعد إجراء العملية، إضافة إلى استضافة والدي التوائم القادمين من الخارج ليكونوا بالقرب من أبنائهم والاطمئنان عليهم طوال فترة الرعاية الطبية.
وطيلة السنين الماضية استحق البرنامج والقائمون عليه الثناء من كافة المؤسسات الطبية الدولية، حيث أشادت منظمة الصحة العالمية بهذه الجهود السعودية التي توفر رؤى حاسمة من الابتكارات الجراحية إلى الإستراتيجيات طويلة المدى، مما يشكل فرصًا علاجية نادرة، وقدمت الشكر للمملكة على هذه المبادرة الرائعة.
وتقديرًا لهذه الجهود اعتمدت الأمم المتحدة الرابع والعشرين من نوفمبر سنويًا كيوم عالمي للتوائم الملتصقة، بهدف رفع مستوى الوعي حول هذه الحالات الإنسانية والاحتفاء بالإنجازات في مجال العمليات الجراحية وتقديم الرعاية الطبية والتأهيل اللازم.
ومن أبرز مزايا هذا البرنامج الرائد، إضافة إلى أنه يشكّل مساهمة إنسانية كبيرة وغير مسبوقة، فهو يتوافق بصورة كاملة مع سعي المملكة لتعزيز حقوق الإنسان لكافة فئات المجتمع، فهو يتداخل مع العديد من الجوانب الأساسية المتعلّقة بحقوق الإنسان، خصوصا حقوق الأطفال في الحياة وفق ما تنص عليه المادة (6) من اتفاقية حقوق الطفل، إضافة إلى الحق في الحصول على الرعاية الصحية والعدالة الإنسانية.
فالأطفال الذين يولدون ملتصقين في مناطق حساسة يواجهون مخاطر صحية تهدد حياتهم بشكل مباشر، لذلك فإن فصلهم يتيح لهم فرصة أكبر في التمتع بالحياة بصورة طبيعية، إضافة إلى توفير الرعاية المتكاملة لهم والعلاج المجاني والعناية المتطورة.
كما يحافظ البرنامج على حق الأطفال في الحماية من التمييز، حيث يعاني غالبية الأطفال الذين يولدون بهذه الحالات من وصمة اجتماعية وتمييز في بعض المجتمعات، لذلك فإن البرنامج يساعدهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، بما يعزّز حقهم في المساواة والكرامة الإنسانية، ويمكّنهم من العيش بصورة طبيعية بعيدًا عن المعاناة الجسدية والنفسية.
وإضافة إلى ما سبق، فإن البرنامج يضمن حق الأسرة في الدعم والرعاية، ويتيح لعائلات التوائم الملتصقة الاستضافة والرعاية طوال فترة العلاج، بما يعزّز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأسرة ويتوافق مع معايير حقوق الإنسان التي تشدّد على أهمية دعم الأسر في الأزمات.
كما يجسّد البرنامج التزام المملكة بمبدأ التعاون الدولي المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل، خاصة فيما يتعلق بمساعدة الدول الأقل نموًا من خلال استقبال الحالات من أكثر من 26 دولة وإجراء العمليات مجانا، إضافة إلى التقيد بالاتفاقيات الدولية، وتوفير الرعاية الصحية بأعلى مستوى ممكن.
كل هذه الجهود لا شك أنها تعزّز صورة المملكة كدولة رائدة في احترام حقوق الإنسان، ليس فقط على المستوى الوطني، ولكن أيضا على المستوى الدولي، مما يدعم رؤية السعودية ويعزّز دورها كدولة رائدة في العمل الإنساني، وهو ما يمثل نموذجًا حيًا لتطبيق مبادئ حقوق الإنسان عالميًا، مع التركيز على حماية الكرامة الإنسانية، وتعزيز الحق في الصحة والمساواة، وتفعيل التعاون الدولي في خدمة الفئات الأضعف.
وإضافة لكل ذلك، فإن مثل هذه المبادرات الإنسانية الراقية تخاطب الوجدان الشعبي مباشرة بدون وسيط، وتعتبر من أوضح ما بات يعرف باسم «الدبلوماسية الشعبية»، وهو ما أسهم في تشكيل رأي عام إيجابي عن السعودية.
كذلك تسابقت وسائل الإعلام العالمية على التنويه بها، وأفردت مساحات واسعة لتغطية أخبارها بسبب نسبة النجاح المرتفعة في تلك العمليات بما يضاهي أكبر المراكز الطبية العالمية وهو ما حقق سمعة طيبة لمؤسساتنا الطبية.
والمملكة عندما تتفرد في هذا المجال، وتواصل مد يد العون لهؤلاء الأطفال وعائلاتهم، وتتكفل بكافة التكاليف اللازمة لإجراء هذه العمليات، فإنها لا تهدف سوى لاستمرار إسهامها الإنساني اللافت على كافة المسارات، إقليميًا وعالميًا، وتأكيد القيم الإسلامية النبيلة والعربية الأصيلة التي قام عليها مجتمعها، مما أكسبها لقب «مملكة الإنسانية»، بعد أن تجاوز عطاؤها الحواجز الجغرافية، والاعتبارات الثقافية والدينية.