فيلم (Erin Brockovich) للمخرج الأمريكي ستيفن سودربرج وبطولة جوليا روبرتس، من الأفلام المهمة التي سلطت الضوء على علاقة الإنسان الغربي مع قوى السوق. فقصة إيرين بروكوفيتش استطاعت تلخيص قصة الحداثة الغربية في عمل سينمائي لا تتجاوز مدته الساعتين، حازت بسببه جوليا روبرتس جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة رئيسة. قصة إنسانية لأم عزباء، مطلقة مرتين، تكافح من أجل الحفاظ على حياة مستقرة لنفسها ولأطفالها. وهي تعمل كاتبة ملفات في مكتب للمحاماة، ومن خلال عملها رفعت دعوى قضائية ناجحة ضد شركة باسيفيك للغاز والكهرباء، وهي من الشركات الكبرى ذات النفوذ والعلاقات القوية. فقد اكتشفت إيرين بروكوفيتش أن المياه الجوفية في منطقة هينكلي ملوثة بعنصر الكروم سداسي التكافؤ. وتعتقد أن هذه المادة الكيميائية مسؤولة عن الأمراض الخطيرة والمزمنة التي يعاني منها سكان منطقة هينكلي. والمتهم بنشر مخلفات الكروميوم السداسي في المياه هو شركة باسيفيك للغاز والكهرباء.

الفيلم يتجاوز قصة العنصر الشعبوي لامرأة منفردة تواجه قوة رأسمالية طاغية يحكمها رجال متنفذون. فهناك جانب أيديولوجي ذو أبعاد دينية يكمن وراء ميلودراما الخير والشر في القصة، وكيف ينتصر الخير على الشر في النهاية السعيدة بفضل قوة القانون، القصة ليست مجرد دعوة قضائية يمكن اختزالها في حقل القانون والمحاماة والبطلة امرأة منفردة لا تملك المال ترفع دعوة قضائية نيابة عن مئات الأشخاص الذين تعرضوا للنفايات السامة دون علمهم، ضد شركة رأسمالية متنفذة تستطيع بقوة المال تسيير أحداث القضية لصالحها.

نلاحظ في أحداث الفيلم كيف تم تأطير القصة في قالب سردي يمنح إحساسا مبطنا تجاه الطبيعة وأنصار الطبيعة؛ وهم السكان الذين يعيشون في حالة وئام معها، والطبيعة هنا تلعب دور الخير في القصة، بينما يلعب رجال الأعمال وأرباب السوق جانب الشر. فالقصة ما زالت تدور حول جدلية (الخير مقابل الشر) ولكن الخير هنا تمثله الطبيعة. بينما الشر يتمثل في الحداثة ومصالح السوق ونوازع الشر بداخل الإنسان التي أدت لتدنيس الطبيعة المقدسة، وهنا يمكن القول إن قصة الفيلم تختصر لنا مفهوم الحداثة الغربية بوصفها صراعا بين الطبيعة المقدسة في الموروث الأوروبي والتقنية العلمية الحديثة.


أطراف الصراع الحداثي هنا يقفون في حالة صراع وتضاد، العلم مقابل الدين، أنصار الطبيعة المقدسة مقابل أرباب سوق العمل والصناعة، عقلانية العلم وحياد التقنية الصارخ مقابل العاطفة الدينية والإنسانية المفرطة. وبدافع من موروثات دينية قديمة تصبغ على الطبيعة صفات إلهية تجرم مجرد المساس بقدسيتها أو تدنسيها حتى لو كان الهدف الحصول على موارد طبيعية أو صناعة منتجات تخدم البشر وتوفر لهم الراحة والرفاهية. عقيدة وحدة الوجود يمكن اعتبارها ذات أثر عميق في تفاصيل القصة باعتبار أن الطبيعة جوهر إلهي في عقيدة وحدة الوجود، وبالتالي نستطيع أن نتفهم دوافع المنظمات الغربية ذات الأبعاد الدينية المضمرة التي ترفع شعارات حماية البيئة وتناهض إستراتيجيات شركات الطاقة حول العالم.

ولا شك أن كثيرا من منظمات حماية البيئة ولوبيات الضغط المهتمة بالطاقة والمنتجات البتروكيماوية تحمل أجندات سياسية، تستغل عاطفة الأوروبيين وتحاول تهييج مشاعرهم الدينية تجاه الطبيعة المقدسة في موروثاتهم الدينية، وتحويلها لأداة ضغط سياسي ضد شركات الطاقة حول العالم. فالشعوب الأوروبية وإن كانت تعيش في أوساط اجتماعية تهيمن عليها الصناعة وثقافة السوق وتتحكمان فيها، ولكنها ما زالت تحمل حنينا للماضي وأثرا من مشاعر دينية موروثة، يجعلها أحيانا تقدم عاطفتها الدينية تجاه الطبيعة المقدسة على منتجات العلم والصناعة.