أدى التقدم التكنولوجي، بالعقد الماضي، لطفرة غير مسبوقة في الصناعة الرابعة. التي دفعتها للنمو واستحداث بيئة قطاع الأعمال والقدرات البشرية والأسواق التي يخدمها قطاع الأعمال، كما نراه اليوم في شكله الحالي. وأصبحت التغييرات التي جلبتها التقنيات الحديثة المصاحبة لهذا النمو، قابلة لتطويعها في أعمال وأنشطة الجودة. إذ من الممكن لمتخصصي الجودة أن يساهموا بدور حيوي أيضا في قيادة مراجعة مستقبل الجودة والتميز التنظيمي. وذلك في سياق احتياجات قطاع الصناعة الرابعة وقطاع الأعمال والتعليم والصحة وتوقعات الأداء وما إلى ذلك. لتطبيق وضمان فاعلية أنشطة الجودة، معتمدة على التحول الرقمي الحديث والتقنيات الحديثة الفائقة والذكية.

تحقيق التميز انطلاقا من الجودة لا يعني احتضان مستقبل الجودة فقط وحسب. بل من الضروري إبراز كل ما من شأنه أن يساعد المتخصصين في الجودة على تمكين تقييم عِلاقة منسجمة بين الجودة العالية والقدرة على الازدهار في مختلف الظروف. وذلك بالاستفادة من تطبيق مبادئ الجودة الرابعة التي تستخدم التقنيات الحديثة لتمكين التحول والنمو التي ترتكز على ثلاثة عناصر رئيسة، كالقدرات البشرية وعمليات الأعمال والتقنيات الحديثة. فالجودة الرابعة هي أكثر من مجرد تكنولوجيا، بل هي وسيلة ذات أدوات متقدمة تساهم في فهم كيفية استخدام التقنيات الحديثة المتاحة اليوم، لإدارة الجودة وتطبيقها، وذلك لتحقيق التميز انطلاقًا من تطبيقات الجودة. فمع أتمتة المزيد من عمليات الأعمال، تظل الحاجة دائما إلى عمليات لا تشوبها شائبة كما كانت في السابق، إن لم تكن أكثر أهمية من أي وقت مضى. حيث يتم إعادة صياغة العمليات الحالية، بل والحاجة إلى تثقيف الجيل القادم من القدرات البشرية، لتنفيذ عمليات وإستراتيجيات جديدة سيكون أمرا حيويا ليس فقط على مستوى الجودة بل على مستوى المهنية في قطاع الأعمال عمومًا. فمع الجودة يتم بناء الرابط الحيوي الواجب تضمينه على المستوى الإستراتيجي لتحقيق الاستدامة.

كلما تنمو التقنيات الفائقة عشر مرات أسرع مما كانت عليه من قبل، يجب على المنظمات التفاعل مع ذلك في العمليات والأنظمة والبيانات والحوكمة عمومًا، لمواكبة ذلك النمو بشكل أكثر شمولية.


التقنيات الفائقة ليست مجرد أداة أو وسيلة تبدو جذابة في تنصيبها وتفعيلها، بل تمنح الفرد ممن لديه الخبرة في التعامل معها، الفكرة الصحيحة والإمكانيات التي لم تكن متاحة من قبل في تطوير المنظمات. والتي أتاحت اليوم الانتقال من دور جمع وتنظيم وعرض البيانات إلى فهم كيفية صناعة التطورات التقنية لمخرجات متنوعة. بل وصياغة منهجيات تعتمد على الكيفية، وأدلة تساهم في تبسيط التطبيق، فلن يكون هناك نشر لإستراتيجيات الجودة الرابعة دون الوقوف على التحديات الناجمة من التعامل مع التقنيات الفائقة والتغلب عليها. فهناك تحديات مشتركة تشمل جميع قطاعات الأعمال ومستويات النضج الرقمي لدى المنظمات وغيرها من التحديات الخاصة. علاوة على ذلك، إلى أدوات ومبادئ الجودة والمعايير الدولية والمحلية، والتي يجب الاستفادة منها في تمكين أدوات الجودة الرابعة للتخفيف من هذه التحديات عند تنفيذ ونشر الأنظمة الداعمة لها مثل الذكاء الاصطناعي، معالجة البيانات الضخمة والتعلم الآلي، وتقنيات البلوكتشين على سبيل المثال، وذلك بزيادة الشفافية وقابلية التدقيق في المعاملات (للأصول والمعلومات)، ومراقبة الظروف المحيطة بها حتى لا تحدث المعاملات ما لم يتم تحقيق مستهدفات الجودة.

ويجب دائما التفاعل مع التقنيات الحديثة وتنصيبها مع توضيح للفوائد المرجوة التي ستقدمها وتأثيرها في عمليات المنظمة وأدائها عمومًا. التي تنقسم إلى ست فئات كما وردت في مبادرة الجودة الرابعة العالمية والقيم الإضافية المدرجة لها في مطلع 2019 وهي:

زيادة أو تحسين الذكاء البشري - زيادة سرعة وجودة اتخاذ القرار - تحسين الشفافية وإمكانية التتبع وإمكانية التدقيق - توقع التغييرات والكشف عن التحيزات والتكيف مع الظروف والمعرفة الجديدة - تطوير العلاقات والحدود التنظيمية ومفهوم الثقة للكشف عن فرص التحسين المستمر ونماذج الأعمال الجديدة - تعلم كيفية التعلم بالاستفادة من تنمية الوعي الذاتي كمهارات أساسية للقدرات البشرية.

ونشر ثقافة الجودة الرابعة ومبادرتها مع مراعاة الخبرة والتخصصية ليس في الجودة فحسب، بل من لديهم الخبرة العميقة في التفكير المنظوم، اتخاذ القرارات القائمة على البيانات، الفرق بين القيادة التنظيمية والإدارة العملياتية، إنشاء نماذج عمليات التحسين المستمر، فهم كيفية تأثير القرارات على الأفراد في الحياة والعلاقات والمجتمعات وتأثيرها في رفاهية الفرد والصحة العامة والمجتمع عمومًا. والتركيز على درجة التميز في تبني التقنيات الحديثة، وتنفيذ إدارة التغيير الفعالة لتحديث التقنيات الحالية بأخرى حديثة بل والتكيف معها، وفهم أثر الاستثمار ذي الصلة في الأداء التشغيلي والعملياتي اليومي الذي يمكن المنظمات من الارتقاء لمستويات نضج أعلى في فهم أعمق للتحسين المستمر.

مفهوم الجودة الرابعة والمشتق من الصناعة الرابعة، استحدث لتقييم الدور الحقيقي للجودة في عالم رقمي وآلي أصبح ينمو بشكل متزايد. وأحد الأسئلة المحيطة بالجودة الرابعة هو المستوى الذي سيترك فيه التحول الرقمي وزيادة الأتمتة متخصصي الجودة في المستقبل. فلقد غيرت الصناعة الرابعة جودة الأعمال، وتقدم الآن تحليلات وإحصائيات تسمح للمنظمات بالنمو، مخلفة معها بيانات ضخمة يمكن أن تجعل حل المشكلات أكثر كفاءة.

لكن لا يوجد لدى المنظمات خريطة طريق لمساعدتها في مواجهة هذا الانتقال أو التنقل بين مستوياته. ولسوف يمكن المنظمات من مواجهة هذا التحدي البدء في تطوير خُطَّة واضحة في تبني الجودة الرابعة، غايته السماح لها في الانتقال بسهولة بين مستوياتها، بل سوف يعزز ممارسات إدارة الجودة الأساسية، والذي من شأنه تحقيق النمو المستدام. ذلك لا يتم إلا عبر مراحل للتكامل مع التقنيات الحديثة المتقدمة أولا، وفي المرحلة الأولى من خُطَّة تبني الجودة الرابعة. يليها وفي كل مرحلة تليها، تسليط الضوء على القدرات البشرية الضرورية التي تحتاجها المنظمات لتطويرها، والتي تعمل على تحذيرها من المنعطفات الخطرة المحتملة في خطتها؛ بالاستفادة من عرض الاحتمالات القائمة على البيانات. وبذلك تقدم خُطَّة تبني الجودة الرابعة كأداة فعالة لمساعدة المنظمات في تحقيق وتطوير القدرات البشرية المطلوبة، لمتابعة التنقل بين مستويات الجودة الرابعة وتكاملها المتزامن مع مستويات الصناعة الرابعة، من منظور تشغيلي يركز ويعتمد على الإنسان أولا. كما يحدد المراحل الحيوية في الانتقال الشامل إلى الجودة 4.0، وتحديد المتطلبات المتطورة ووضع المستهدفات الضرورية لتحققها ومقارنتها بالأداء الفعلي، مع تحديد بوصلة ونقاط الاتصال بين التقنيات الحديثة، وإدارة الجودة وأنظمتها وأنشطتها.