لا أعلم ما هي ردة فعلك عند قراءتك للسطور الأولى من هذا المقال، ولكن أما كفى للصامت أن يصمت!

نداء إلى جميع الأمهات على وجه الكرة الأرضية:

" أبناؤك ليسوا وعاء لتفريغ طاقاتك السلبية عليهم، توقفي فوراً عن ذلك وأحسني تربيتهم"


ليس من العقوق أن يصرح الابن أو الابنة أن شيئاً ما يؤلمني.

تعد الأم واحدة من الأركان الأساسية في بناء الأسرة، حيث تلعب دوراً محورياً في تشكيل شخصية الأبناء وتوجيههم خلال مختلف مراحل حياتهم، فهي رمز للحب والرعاية في معظم الثقافات وكل الأديان. ومع ذلك، هنالك بعض الأمهات اللواتي يحملن كماً هائلاً من المشاعر السلبية المختلفة أو مشاعر الحقد والكراهية، وليس ذلك وحسب بل تحمل كماً آخر من الانكار ، حيث ترفض أن تعترف بحقيقة هذه المشاعر وماهيتها! بل تمنحها رداء مواتياً وغير صحيح مثل خوفها على أبنائها ورغبتها بتوعيتهم عن الحياة ومكابدها، وغيرها الكثير من الأعذار الآخرى. وهو الأمر الذي يؤثر سلباً في العائلة ويخلق بيئة غير صحية للأبناء. حيث يتميزن بكثرة اللوم والانتقادات، والتذكير بالماضي والأخطاء غير المقصودة والعفوية، فتخلق أبناءً معقدين ومدمرين نفسياً.

وهو الأمر الذي يشعر الأبناء بأنهم محاصرون في نمط سلوكي أو شخصية مشابهة تماماً لوالدتهم تجنباً لنقدها الدائم، ما قد يؤدي إلى عدم الرضا عن الذات وفقدان الهوية. وما أصعب أن يفقد المرء هويته الشخصية، ويصبح تابعاً لسلوكيات وتفكير أمه، التي كما تصف نفسها ضحت بحياتها وطموحها لتنتج نسخاً مكررة منها، ويمنحها ذلك عوضاً ولو بشكل نسبي عن خساراتها التي جنتها بيديها.

من الطبيعي أن تكون العلاقة بين الأم وأبنائها مصدراً للدعم والحب، ولكنها مع بالغ الأسف قد تتحول أحياناً إلى مصدر للتوتر والضغط النفسي، والعديد من المشكلات النفسية الآخرى، ومنها:

1- تدني الثقة بالنفس:

عندما يتعرض الطفل لكثرة الانتقادات واللوم، فإن ذلك قد يؤدي إلى شعوره بعدم القيمة وعدم القدرة على تحقيق النجاح. هذه المشاعر السلبية قد تؤثربنسبة كبيرة في أدائه الأكاديمي والاجتماعي، ما قد ينعكس سلباً على حياته عموماً.

2 - العلاقات السلبية مع الآخرين:

الأمهات اللواتي يتسم سلوكهن بالسلبية قد يغرسن في أبنائهن أنماطاً من العلاقات السلبية مع من حولهم. إذا كان الطفل معتاداً على اللوم والانتقادات، فمن المرجح أن يتبنى هذا السلوك في تفاعلاته مع أقرانه ومع الآخرين في حياته.

3 - القلق والاكتئاب:

الأطفال الذين ينشأون في بيئات سلبية ومليئة باللوم، ينتجون غالباً مشاعر من القلق والاكتئاب. الأجواء المشحونة بالتوتر التي تخلقها الانتقادات المستمرة، تؤثر في الصحة النفسية للطفل، ما قد يؤدي إلى مشكلات أكبر في المستقبل.

الأم المؤذية ليست مجرد صفة عابرة، بل هي نمط سلوكي يمكن أن يؤثر بصورة عميقة في حياة الأبناء؛ ومن الضروري أن ندرك آثار هذا السلوك ونسعى لإيجاد طرق فعالة للتعامل معه، وتحقيق الاستشفاء الروحي من ترسبات الماضي، عبر جلسات الدعم النفسي حتى نتمكن من تحقيق حياة صافية وخالية من المعوقات النفسية والروحية.

ولن ينجو الفرد حتى يتمكن من الانفصال النفسي عن هذه الشخصية، وتنظيف العقل اللاواعي من ترسباتها، وحينها يتمكن من اتخاذ خطوة حاسمة نحو حياة مزدهرة وسعيدة.

أريد أن أنوه بأن انفصالك عنها ليس عاطفياً بل هو انفصال أشبه ما يكون بالانفصال السلوكي النفسي، لتتمكن من عيش حياتك بوجودها بكل راحة دون تأثير سلبي.

وعطفاً على ما سبق فإنه من المؤسف أن فهمنا الخاطئ للأمور هو من ولَّد لدينا هذه الشخصيات العدائية والصعبة، حيث إن الكثير يعتقد بأن بر الوالدين هو بر مطلق وبأن جميع ما يقولونه صحيح وغير قابل للتفكر والنقاش، وإن لم نعمل به فستحل علينا لعنة قريبة تدمرنا وتفضي بهلاكنا، بينما البر هو خفض جناح الذل، وهو أن تكون ذليلاً بين يديهم ملبياً لحاجاتهم الشخصية، ولست مجادلاً، أو صارماً وحاد اللسان معهم.

وببساطة يجب أن نعي بأن لأنفسنا علينا حق، وهو حق الرأفة بها، والرحمة بحالها، وتحقيق السلام الداخلي، والاستقرار النفسي لها، جنباً بجنب مع جميع تعاملاتنا الأسرية والاجتماعية بما فيهم الوالدين.

وأخيراً أختم كلامي بتوجيه كلمة إلى الأم الراقية:

إن عدم القسوة على الأبناء لا يعني أيضا عدم تربيتهم أو توجيههم وإنتاج أبناء وبنات لا قيمة لهم واتكاليين، إنما عليك أيتها الأم أن تعي بأن الأمومة ليست بالأمر السهل وإنما هي أمانة أؤتمنتِ عليها، وواجبك هو أن تتوازني في مشاعرك وعطاءاتك وحدودك، وتنتجي أشخاصاً أكفاء معتزين بأنفسهم وذواتهم واختياراتهم، مالم تخل بجوهر الأشياء وفطرة الحياة، حتى وإن لم تكوني متفقة معها، فهم ليسو أنت وأنت لست هم.