مجالات الثقافة، والفكر، والاجتماع، والاقتصاد، يسخرون أفكارهم وأقلامهم لسيرة هذا المرفق الحيوي المهم الذي هو مرفق الإعلام.

لذلك فليس غريباً أن يتجه الحديث إلى «لغة الإعلام» ومناهج القول فيها مما عناه بتخصيص مجمعنا اللغوي العريق.

وإذا كانت اللغة هي أهم أسباب نجاح الإعلام على الإطلاق فما هو النهج الأصوب الذي يجب أن تسير عليه لغة الإعلام؟ لا شك أن اللغة الإعلامية ينبغي أن تنقسم إلى قسمين:


القسم الأول: اللغة التي نستخدمها في الوسائل المطبوعة من (كتب وصحف ومجلات وروايات، وقصص) فهذه يتعين أن تكون اللغة الفصحى.

ولا يغرب عن البال أن الفصحى قد أصيبت بكثير من أدواء العجمة نتيجة التقهقر الذي عرا تدريس هذه اللغة في المدارس، والمعاهد، والجامعات، والتدني في مستويات التحصيل، مما يتطلب تلمس العلاج الناجح لذلك.

ورغم ما توافرت المجامع اللغوية على تسهيله واشتقاقه من عبارات.. وما استحدثته من مصطلحات للتمشي مع روح هذا العصر المعجل فإن الضعف لا يزال سمة ملازمة للغة الفصحى في الإعلام.

أما القسم الثاني: فنظراً لأن الإذاعة والتلفزة خصوصاً تخاطبان جميع الطبقات التي تتكون من متعلمين وأميين فإن الطريقة المثلى- في رأيي- هي أن تكون لبعض موادهما لغة مبسطة بعيدة عن التعقيد تكون مفهومة للمتعلم وغيره على السواء، رغم ما جنحت إليه بعض أجهزة الإذاعة المرثية والمسموعة من تخصيص ما يسمى البرنامج الثاني لفئة الطبقات المتعلمة.

ولا أقصد بتبسيط اللغة بالنسبة لغير المتعلم الهبوط بمستواها، ولكنني أقصد أن تكون لغة ميسرة سهلة مشتقة من الفصحى ذاتها هدفها الارتقاء بالمفهوم العادي وصقله، ويمكن أن تقدم بها المواد الترفيهية، وما يماثلها.. وربما اندرج تحت هذا المفهوم اللغة التي يجب أن نخاطب بها الطفل في وسائل الإعلام. وإذا كانت اللغة هي الوسيلة للإعلام فإن مضمون الإعلام ذاته يجب أن يكون مضموناً صادقاً، فلا ينبغي أن يكون مثلاً أداة طيعة للأهواء أو تزييف حقيقة والدعوة لمبدأ هدام أو الترويج لسلعة تافهة.

إن من آفات بعض صنوف الإعلام الجنوح إلى اصطناع منهج الكذب أو التدجيل، وإلباس الباطل ثوب الحق، وخداع القاري، أو السامع أو المشاهد وكل هذه أردية خلقة سرعان ما تتكشف للناس، ويبدو زيفها وخواؤها مما يؤثر تأثيراً بالغاً على سمعة إعلام الدولة وتخلخل الثقة به، وانعدام مصداقيته.

ونحن نعرف مثلاً أن هناك محطات للإذاعة يؤثر السامع سماع أنبائها على أنباء سواها - وما ذلك إلا لأنها انتهجت تحري الصدق في بث الأنباء حتى أصبح ذلك تقليداً لها في هذا المضمار.

فتحرِّي الحقائق المجردة، ورصد الوقائع الثابتة هما الأداء الصحيح للإعلام الناجح؟ ومهما ضاعفنا من جهود في هذا السبيل فإنها الجهود التي تؤتي ثمارها، وتصيب أهدافها،

وهناك اقتراح يمكن إيلاؤه عناية خاصة ويتلخص في حث المسؤولين في وزارات الإعلام في الدول العربية على ضرورة استخدام اللغة العربية الفصحى في نشرات الأخبار وأبعاد الكلمات العامية والحوشية منها نهائياً فيها يقدم من مواد إعلامية عبر الإذاعتين المرئية والمسموعة كي تكون هذه النشرات واجهة حية للغتنا العربية.

وبعد: فإن هذا البحث وهو لغة الإعلام، الذي آثرت أن أوجز القول فيه خشية الإطالة والإملال، هو أن نبحث عن أمثل الطرق للوصول إلى القارئ، والسامع، والمشاهد، وفي نفس الوقت يجب ألا ننسى ولو للحظة واحدة أن تراثنا هو لغتنا العربية لغة القرآن الكريم الذي أنزله اللّٰه تعالى وتعهد بحفظه، وحديث المصطفى، ومن الأنسب دائماً أن نبحث في هذا العصر ما يعزز مكانة هذه اللغة، وقيمها ويزيد من رقعة انتشارها ورفع مكانتها.

1988*

* شاعر وسفير سابق سعودي «1934-2004».