الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى، أو «العُسر»، يمثلون قرابة 10 إلى 12 % من سكان العالم، وربما النسبة أكبر، لأن بعض الثقافات تعتبرها عيبًا، وتاريخيًا أيضًا ارتبطت بالسحر والشر. ففي بريطانيا خلال العصور الوسطى، كانوا يربطون مستخدمي اليد اليسرى بالشيطان ويتهمونهم بالسحر! لذلك كانوا يحاولون إنكار هذه الصفة ويتبرؤون منها، أمّا الآن فقد ظهر كثير من القادة والشخصيات المهمة من فئة العُسر، على سبيل المثال هناك ثمانية رؤساء في تاريخ أمريكا من مستعملي اليد اليسرى، وآخرهم الرئيس باراك أوباما وسابقاه بيل كلينتون وجورج بوش الأب، كذلك رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، كان أعسر. البعض ربط استخدام اليد اليسرى بالفن والإبداع، وأحيانًا العبقرية، اشتهر بعض العُسر في مجال الموسيقى والفن مثل ليدي غاغا، وأنجلينا جولي، وجاستين بيير، هناك عوامل عديدة تحدد هل الشخص سيصبح أعسر أو أيمن، كالجينات والمحيط، وكشفت بعض الدراسات مؤخرًا، أن هناك قرابة 40 جينًا تساهم في تحديد هذه الصفة، وعادة ما تجد في شجرة العائلة أكثر من شخص أعسر لأنهم توارثوا الجينات نقسها المسؤولة عن هذه الميزة. حينما يكون أحد الوالدين أعسر يعني ذلك أنه من المرجح أن الابن سيكون كذلك، وإذا كان كلا الوالدين من مستخدمي اليد اليسرى يرتفع هذا الاحتمال، وعامة الجينات الوراثية مسؤولة عن 25 % فقط من حالات استخدام اليد اليسرى، وهي تعد نسبة أقل بشكل ملحوظ من السمات الموروثة الأخرى، كالطول والذكاء، وقيل كذلك إن معظم حالات استخدام اليد اليسرى تحدث ببساطة بسبب الاختلاف العشوائي أثناء نمو الدماغ الجنيني، دون تأثيرات وراثية أو بيئية محددة.

السؤال متى يصبح الإنسان أعسر؟!

تابع العالم الإيرلندي بيتر هيير أجنة في أرحام أمهاتهم بواسطة التصوير التلفزيوني أو السونار، فوجد قرابة 90 % من هؤلاء الأجنة يمصون الإبهام الأيمن، واستمر هؤلاء الأطفال باستخدام يدهم اليمنى بعد ولادتهم حتى كبروا، بينما ثلاثة أرباع الأجنة الذين مصوا إبهامهم الأيسر استمروا في استخدام يدهم اليسرى حتى كبروا، يعني هذا أن ربعا منهم أصبح يستخدم يده اليمنى. ويوضح هذا دور المحيط والبيئة في تغيير الموروث. وعادة يبدأ الطفل في تفضيل استخدام إحدى يديه على الأخرى ما بين سنة إلى سنتين من العمر. ووجدت دراسة سويدية سابقة، أن النساء المصابات بالاكتئاب أو التوتر أثناء الحمل أكثر عرضة لأن يكون لديهن أطفال مختلطون أو عسر، وفي دراسات أخرى، كان الطفل ذي الوزن المنخفض عند الولادة، أو المولود لأم أكبر سنًا، أكثر عرضة لأن يكون أعسر أيضًا.


تفضيل استخدام يد عن أخرى، هو أحد وظائف الدماغ، وهذا يرتبط بمهام الإدراك، فاستخدام اليد اليسرى يدل على تطور الشق الأيمن من المخ، وهو مسؤول عن الاستنتاج والتذكر، لذلك هم متفوقون في تحديد المواقع ولديهم موهبة في قراءة الخرائط. الإبداع أيضا نتاج نشاط الفص الأيمن من الدماغ، والعُسر لديهم حزمة ألياف عصبية أكبر تربط بين شقي الدماغ، ما يؤدي إلى قدرة أعلى في معالجة المعلومات بين الفصين.

وفي دراسة أسترالية ذكرت أن أصحاب اليد اليسرى أكثر قدرة من نظرائهم في استيعاب مجموعة كبيرة من المعلومات في وقت قصير، بينما أظهرت الأبحاث الحديثة أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية أغلبهم عسر، وأنهم أكثر معاناة من الاضطرابات النفسية واعتلال المزاج وحالات الاكتئاب، حيث يشخص 11 % من الأشخاص العسر باضطرابات مزاجية إلى جانب %40 يعانون من انفصام الشخصية، ولا غرابة أن يجتمع الإبداع بالجنون فكلاهما خارج عن المألوف.