ولأن الصحاري في السعودية لا تُعد فقط جزءا من تشكيل التضاريس والبيئة والمناخ بها، بل تمتد لأسلوب حياة استطاعت المملكة التعامل معه والاستفادة من خيراته والتصدي لمخاطره التي من أبرزها مشكلة التصحر الذي تتسبب به عوامل مختلفة، بعضها تطلب سن تشريعات وإطلاق مبادرات مختلفة كمبادرة الحفاظ على الغطاء النباتي واستعادة المراعي، أو وضع إستراتيجيات طويلة المدى وإشراك القطاع العام بها كمبادرة زراعة 10 مليارات شجرة.
ملف المملكة العربية السعودية في دعم وتنمية القطاع البيئي حافل بالإنجازات والمشروعات القيمة التي استطاع بها، منذ أن بدأت مبادرة السعودية الخضراء زراعة ما يقارب 100 مليون شجرة، وتوطين ما يزيد عن 1600 حيوان مهدد بالانقراض في مختلف البيئات بالمملكة، والتي تمتاز بتنوعها واتساعها، ورفع السعة الإجمالية لمصادر الطاقة المتجددة، وغيرها من المبادرات التي امتدت لتشمل دول الجوار كمبادرة «الشرق الأوسط الأخضر».
ولأهمية هذه الموضوعات التي تتعلق بأهم مورد للبشرية -كوكب الأرض- فإن الرياض تستعد في مطلع الشهر المقبل لأول وأكبر مؤتمر من نوعه على مستوى الشرق الأوسط: مؤتمر الرياض COP 16 بعد أسابيع قليلة من انتهاء مشاركتها في مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي COP 16 في كالي-كولمبيا، والذي قدم فيه وفد المملكة عددا من الاجتماعات المثمرة مع مختلف الأطراف، وبناء شراكات دولية لدعم الجهود الوطنية التي تهدف لإثراء التنوع الإحيائي وتعزيز الاستدامة البيئية، واستعراض بعض من جهود المملكة من مبادرات وبرامج، والدعوة إلى مؤتمر الأطراف السادس عشر لمكافحة التصحر، الذي تستضيفه الرياض من 2-13 ديسمبر القادم. والأهم أن بيان المجموعة العربية المشاركة في المؤتمر -وعددها 22 دولة- قدمه وفد المملكة، في إشارة واضحة لأهمية تعزيز الموقف العربي تجاه القضايا البيئية، ومنها التنوع الإحيائي.
وما بين المشاركة في كولمبيا والاستضافة في الرياض، ما بين التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر، تبرز قضايا البيئة كأحد أهم الأولويات التي استهدفتها المملكة لتحسين جودة الحياة الحالية، وضمان المستقبل المشرق للأجيال القادمة. وحتى انعقاد مؤتمر التصحر COP 16 في الرياض وبعده، ينبغي أن يكون تناول القضايا المتعلقة بحماية البيئة -التي أنشأت لأجلها مختلف المراكز للاهتمام بها وتطويرها- مهمة وطنية شاملة تشترك فيها جميع مؤسسات الدولة العامة والخاصة، ويزداد معها توعية الأفراد بمختلف المبادرات القائمة أو ابتكار أخرى تتناسب مع الأجيال الأصغر سنا، وهذا لن يتحقق إلا بتكاتف الجهود من الجميع وتسليط الضوء على هذه القضايا، وما يمكن أن يقدم الفرد والمجتمع لتصبح أسلوب حياة يتعلق بصحة الفرد وجودة معيشته، وأن تلتفت المراكز البحثية والجامعات والتعليم بتشجيع البحث العلمي الرصين المتعلق بالقضايا البيئية المحلية والدولية لإثراء المرجع العلمي البيئي للمملكة، واستغلال الفرصة لوجود وطن مترامي الأطراف يضم بين جنبيه ثراء بيئيا مذهلا، واهتماما حكوميا كبيرا بمستويات عليا لأن تحقق المملكة أهدافها المحلية للقطاع البيئي، ولتسهم في تنمية ودعم التوجهات البيئية الإقليمية والعالمية كما تفعل دائما بمشاركة أبناء وطنها.