إن كانت عبارة ( توخي الموضوعية والتجرد) عبارة حاسمة في الكتابة والتوثيق، فإن إنشغال المستشرقين بدراسة علوم المسلمين يندر فيه الأخذ بالمنهج العلمي والصدق مع وجود قليل من الإنصاف عند البعض في دراسة النص الشرعي ( الكتاب والسنة).
د أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن العالم الإسلام فالاستشراق في بداية نشوئه قـام عـلى أكتـاف رجـال الدين النصارى -الرهبان- كما يتبين هذا من اسـتقراء تـاريخ الاستـشراق، ليعطي مدلول ان للإستشراق دوافع غالباً.وكان لريادة العرب في العلم والتفوق الحضاري سبب لإلتفات الغرب لشرق الإسلامي بترجمة الكتب العربية.
إن كان الإتفاق عند علماء المسلمين على استحالة ترجمة نص الوحي (القران ) ترجمة حرفية فكان نتيجة مناقشة مشروعية الترجمة بإجازة نقله إلى اللغات الأخرى غير العربية بإختيار مصطلح ( ترجمة معاني القرآن ) بدلا من (ترجمة القرآن).
يعلق المستشرق الفرنسي " ريجي بلاشير" على مبادرة ترجمة معاني القرٱن حين ربط انها انبثقت من ذهنية الحروب الصليبيه لإزالة كل أثر للإيمان الأول في أذهان المسلمين، ويشير لجهود الرهبان في السعي لمعرفة الإسلام معرفة أفضل بما يفيد تنصير أتباعه.
والمعلوم أن الإستشراق الديني انطلق من الكنائس فكان الإنكار لمصدرالنص الشرعي وأن محمد بن عبدالله (رسول الله عند المسلمين)هو محارب وسياسي ورجل دولة، ولم يكن نبيا مرسلا بل استفاد من الحضارات والثقافات واستمد منها الطقوس والأحكام والسلوكيات.
تعرض المستشرقون الأوائل للنص نفسه في محاولة لإنتاج تفسير جديد لم يرد عند المفسرين المسلمين، فعند المستشرق الألماني " نولدكه" الذي سعى لفهم الحروف المقطعة الواردة في نص الوحي، وبالغ في التلاعب ،فكان للإستشراق الألماني آثار في دراسات النص.
في الغالب اتخذ الإستشراق موقفا سلبيا من النص الشرعي والقليل المحدود من الإيجابية،
نجد نوعا من الإنصاف عند المستشرق " شيبس" في التغليط على اعتقاد بعض العلماء أن نص الوحي ( القرآن ) ليس من مصدر إلهي، ويعبر بأنه وجد في النص بلاغة لم ير مثلها قط.
الإشكاليه في الترجمة التي يتلقاها الغربي عن النص الشرعي (القرآن)، من مترجم غربي قد يتحامل على المعنى السليم لغايه في نفسه، أو لعل لعدم الإكتراث بالنص، فلا يأخذ بصدق وموضوعية وجهد في النقل من العربية التي جاء بها النص الشرعي .
لتساهم في خلق صورة ذهنية عن الحضارة الإسلامية في الأوساط الغربية، وتغلب عليها السلبية، فالقليل من المنصفين قد يتعارض مع معطيات هذا النقل والبحث عن مصداقية المصادر.
وفي دراسة التراث الإسلامي عند بعض المستشرقين والنقل من نصوص في المصادرالإسلامية نجد نقل النص من كتب الحديث الضعيف أو من الأخبار غير الموثوقة في كتب التاريخ العربي الإسلامي، وبعض الإسرائيليات التي أوردها بعض المفسرين دون تعليق عليها ،أو الخلط بين الأصل المتوارث لدى جماعة المسلمين وبين رأي وتعليق الكاتب، ولعدم التمكن من عناصر البحث العلمي الموضوعي عند الباحث المستشرق احيانا وإفتقاره للإنتماء لهذه الثقافة أوالضعف في الحصيلة اللغوية العربية فتحصل المغالطو غير المقصودة احيانا في الفهم الدقيق الصائب للتراث الإسلامي، مع إثبات وجود حالة التقصد عند بعض المستشرقين في تعمد وقوع المغالطات.
وفي هذا الصدد يؤكد ( توملين )على عجز المستشرقين عن فهم الثقاة الشرقية بشكل تام، ولن يحصل إلا أن يعتزلوا أوروبا ويبدأوا الحياة من جديد كشرقيين.
يقع المستشرق في صراع دراسة ظاهرة الفكر الإسلامي (الفلسفة الإسلامية )إذا لم يراع الشروط الموضوعية والبيئة الخاصة بها. فحدود الفلسفة الإسلامية تتعارض مع الخوض في الإلهيات والأمورالعقائدية خارج سياق المفهوم الإسلامي لها، فجمهور المستشرقين يدرس الإسلام بحسب العقلية الأوروبية متجاهلا طبيعة الشرق الإسلامي وعاداته وظروفه.
عندما يتأثر العقل العربي بالفكرالإستشراقي ليقبل نظريات المستشرق السلبية حول الحضارة الإسلامية، أو ربما يصل لترويج لها على اعتبارالإنبهار بالفلسفة الغربية، فيتحقق بذلك تهميش الحضارة الإسلامية في نفوس أفرادها ليسهل الذوبان في الثقافة الغربية.
لابد أن يتخلص العقل العربي من الانبهار الغربي، فلا يأخذ ما أورده المستشرق من معلومات عن الحضارة الإسلامية قبولا غير مشروط، والإتكال عليها دون تفعيل الروح النقدية عند الباحث العربي الإسلامي، والتدقيق في مصادر المستشرق، وتتبع المسائل. ولانتجاهل جهود المستشرقين الصادقة في تراث المسلمين لاسيما في المخطوطات، من حفظها وصيانتها وفهرستها ورصدها في قوائم تعين على الوصول إليها.
أنتج المستشرقون الألوف من الكتب التي تضمن الحديث عن جوانب الشريعة والسنة والتاريخ والسيرة والفقه واللغة العربية والمذاهب والجوانب الثقافية الإسلامية، فهذه الكتب في أغلبها تحمل تزويرا للحقائق فهي تنشر بشتى اللغات الأجنبيةوايضا القليل يترجم إلى العربية.
لتنتشر الأراء الإستشراقية غيرالعلمية في سبيل تحقيق الأهداف المخطط لها.