مرت أكثر من سنة وسبعة أشهر على إعلان نجاح الوساطة الصينية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي أثمرت عن اتفاق تاريخي لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. هذا الاتفاق الذي جاء بوساطة صينية شكل نقطة تحول مهمة في منطقة لطالما عانت من التوترات السياسية والصراعات الإقليمية. وقد أثبتت الصين قدرتها على لعب دور محوري في تعزيز الاستقرار بالشرق الأوسط عبر استخدام نهج دبلوماسي هادئ ومتزن. الوساطة الصينية لم تكن مجرد خطوة عابرة بل تعكس إستراتيجية مدروسة تهدف إلى تعزيز حضور الصين كلاعب رئيس على الساحة الدولية. تقليدياً اعتمدت سياسة الصين في المنطقة على تعزيز العلاقات الاقتصادية وتجنب التدخل المباشر في النزاعات. لكن مع تصاعد التوترات في الخليج وتأثيرها في استقرار أسواق النفط الحيوية للاقتصاد الصيني، وجدت بكين نفسها أمام فرصة لتحمل مسؤولية أكبر عبر تقديم نفسها كوسيط محايد يتمتع بثقة جميع الأطراف. الصين تمتلك علاقات استراتيجية مع السعودية وإيران على حد سواء، مما جعلها مؤهلة لرعاية حوار مثمر بين الجانبين. منذ توقيع الاتفاقية في مارس العام الماضي، بدأت العلاقات السعودية- الإيرانية تشهد تقدماً ملموساً. فتح السفارات في كل من الرياض وطهران كان من أولى الخطوات التي عكست التزام البلدين بتفعيل بنود الاتفاقية. كما أن هناك جهوداً مستمرة لتعزيز التعاون في ملفات إقليمية حساسة مثل أمن الخليج الذي يمثل أولوية قصوى لضمان استقرار المنطقة. وتصريح محمد رضا عارف النائب الأول للرئيس الإيراني، بأن بلاده لن تتراجع عن مسار تطوير العلاقات مع السعودية في زيارته الأخيرة للرياض يؤكد أن دور الصين لم يتوقف عند الوساطة بل استمرت في متابعة تطورات العلاقة لضمان تنفيذ بنود الاتفاقية واستدامتها. هذه المتابعة تعكس حرص الصين على تحقيق استقرار طويل الأمد في منطقة الخليج التي تعتبر عنصراً أساسياً لضمان تدفق الطاقة واستقرار الاقتصاد العالمي. كما أن نجاح الوساطة منح الصين فرصة لتعزيز صورتها كقوة عالمية قادرة على حل النزاعات الدولية الكبرى عبر الحوار والتفاهم.
لكن رغم هذه الإيجابيات، لا تزال هناك تحديات تواجه العلاقات السعودية- الإيرانية. ملفات مثل اليمن وسوريا ولبنان قد تستمر في إلقاء ظلالها على العلاقة، إلا أن هذه الملفات ليست مستحيلة الحل في ظل وجود إرادة حقيقية للتعاون وتجنب التصعيد. الدعم الدولي، خصوصاً من الصين، يمكن أن يسهم في تخطي هذه التحديات وبناء علاقة أكثر قوة واستقراراً.
الوساطة الصينية بين السعودية وإيران أكدت أن الحوار يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتجاوز سنوات من التوتر والصراعات. مع تصريحات محمد رضا عارف التي تعكس التزام الجانب الإيراني بتحسين العلاقات مع السعودية، تبدو المنطقة أمام فرصة حقيقية لبدء مرحلة جديدة من التعاون والتفاهم. نجاح هذه العلاقة يعتمد على قدرة إيران على البناء على ما تحقق وضمان استدامته، وعلى استمرار الصين في دعم هذه الجهود كوسيط محايد يسعى لتعزيز السلام والاستقرار في منطقة لا تزال تعاني من آثار التوترات المتراكمة التي خلفتها إيران بسياستها في المنطقة خلال العقود الماضية.