الكلام نثر أو شعر، هكذا تزعم العرب.

وفي التمييز بين النثر والشعر، قالوا إن الشعر هو الكلام المقفى الموزون. لم يكن هدا القول تعريفاً للشعر أو تحديداً لجوهره وخصائصه، بل كان تمييزاً له عن النثر لا غير. بقي على النقاد العرب أن يضعوا على توالي العصور، نظريات شتى في نقد الشعر، تتناول ماهيته وخصائصه.

كان من نتائج هذا التمييز بين الشعر والنثر أنه جعل كل وازن شاعراً، فكان لا بد للنقد من التعدي إلى رفع بعضهم فوق بعض طبقات، ابتداء بالصعاليك وأصحاب المعلقات في الجاهلية وانتهاء بشعراء يومنا هذا -


أي كان لنا الشاعر، والشاعر الفحل والشاعر الكبير، والشاعر الجيد، الخ...

وكان من نتائجه أيضاً أنه أخرج من حرم الشعر كل كلام شعري لا موزون ولا مقفى، الكلام النثري الذي يتزيى بزي الشعر، بدماء بالشعر المنثور أو بالنثر الشعري حيناً، وبالنثر الفني حيناً آخر، ثم دعا أو أقل من يحاولون من الكتاب الخياليين كجبران.

ثم كان من نتائج هذا التمييز الحاسم بين الشعر والنثر أنه أدى إلى حصر الشعر في الكلام المقفى الموزون، وإلى قولبة صناعة الشعر وتحجيرها. فكان كلما جرت محاولة للتحرر والانطلاق، كما بالسنوات القليلة الماضية، نودي بالويل والثبور وعظائم الأمور، ومع أن حركة التحرر والانطلاق في معظمها داومت على الوزن والقافية، لكن على نحو جديد، إلا أنها وجدت من لم يعتبرها شعراً، وما ذلك إلا لأنها خرجت على ما هو موروث من كيفية استخدام البحور وأساليب التقفية.

أما محاولة صياغة الكلام شعراً بالاستغناء عن هذا كله، فلم تجد عند السلفيين الجامدين إلا الاستهجان والامتعاض.

1968*

*شاعر، وكاتب، وصحفي لبناني (1916 - 1987)