هناك مشكلة جوهرية واجهتها خلال ابتعاثي، وأجد أنها فارقة في حياة الطالب المبتعث ومؤثرة في مخرجاته التعليمية والحياتية خلال الابتعاث. تكمن المشكلة في عدم وجود «دعم نفسي منظم» من قبل الملحقيات الثقافية وإدارة الابتعاث. حيث تمر حياة الطالب في الابتعاث بتقلبات كبيرة وتحديات نفسية وفكرية صعب التعامل معها في ظل البعد عن الأهل والأصدقاء والأقارب. لم ألمس أي اهتمام بهذا الجانب، رغم تواصلي الدائم مع المسؤولين ورفع الكثير من الاقتراحات بهذا الجانب، وتحدثت مع الملحق شخصيًا عن ضرورة الاهتمام بهذا الجانب المهم في حياة الطالب المبتعث.

قد يعتقد البعض أن الجانب النفسي رفاه وبذخ غير ضروري، ويعتقد آخرون أنه أمر ثانوي يستطيع أن يتحمله الشخص وحده. يجب أن نعلم أن الطالب المبتعث مغترب في المقام الأول، يعيش وحده مهما حاول أن يصنع له مجتمعًا صغيرًا وأصدقاء. وخصوصًا بداية الابتعاث، الأمر في غاية الصعوبة أن يحل الطالب مشاكله النفسية والفكرية وحده دون دعم وإرشاد نفسي وأكاديمي، وخصوصًا المبتعثين الشباب الناشئين؛ فالأمر أكثر تعقيدًا. تكمن عواقب هذه المشكلة في احتمالية فقدان الطالب الرغبة بالدراسة، وأحيانًا في عدم القدرة على التأقلم والتعايش، وتصل لفقد الثقة بالنفس، وحتى فقد الموهبة التي يمتلكها. عندما تحدث هذه العواقب فإن مشروع الابتعاث ستتأثر مخرجاته ولا تعود بالفائدة المرجوة منه؛ وهي عودة الطلاب المبتعثين بأفضل تعليم عالمي وأجود تجربة حياتية وثقافية وفكرية تعود على البلد والمجتمع بالخير الكثير. فبالتالي، يكون هناك هدر اقتصادي بسبب هذه العواقب، لأن الطالب لم يكن قادرًا على تقديم أفضل ما لديه من أجل التعلم والتعايش والتأقلم في البلد الغريب الذي يعيش فيه خلال دراسته.

ولا ننسى أن المشكلة قد تطال المرافقين وعائلات الطلاب المبتعثين. وقد يصل الضرر إلى منظومة العائلة سواء العلاقة بين الزوجين أو في تربية الأبناء وتنشئتهم. فالآباء والأمهات يعانون كثيرًا مع أبنائهم من حيث التربية الفكرية والبناء النفسي لهم. حيث يدرس الأبناء في مدارس تقدم بعض المناهج التي لا تناسب قيم الثقافة العربية، ويعجز المربون في إقناع أبنائهم بالقيم السليمة والثقافة العربية السوية بسبب عدم وجود الدعم الكافي لهم من الناحية التربوية والنفسية. وعلى صعيد آخر، هناك أطفال يعانون من أمراض معينة مثل (طيف التوحد، وتشتت الانتباه وفرط الحركة) ويحتاجون لتوعية كبيرة لكي يتمكنوا من تربية أطفالهم بطريقة صحية نفسيًا وفكريًا. لكن للأسف لا يوجد أي توعية أو دعم بهذا الجانب من المسؤولين على برنامج الابتعاث.


الغريب في ذلك، أن بعض الملحقيات لا تمنح شهادات تقدير وشكر للطلاب المتطوعين في تقديم الندوات النفسية والفكرية، رغم أنها تمنح شهادات تقدير وشكر للطلاب المتطوعين في الاحتفالات وتنظيم المناسبات وغيرها. الأمر في غاية الغرابة، حيث إن الندوات النفسية والفكرية والأكاديمية أهم ما يمكن أن يفيد المبتعث، بل غاية الابتعاث أن يتطور الطالب فكريًا ونفسيًا وأكاديميًا. حتى أصبح الكثير من الطلاب لا يتطوعون لتقديم الندوات، وهذا تسبب في عدم وجود ندوات مهمة يحتاجها الطالب باستمرار مثل الدعم النفسي والفكري. هناك طلاب مبتعثون نخبة ومبدعون لم يُستفد من عقولهم خلال فترة الابتعاث حتى يشاركوا خبراتهم مع زملائهم الآخرين. عدم التقدير من الملحقية يعد قصورًا يحتاج إلى إعادة نظر، لأن الابتعاث هدفه في المقام الأول الفكر والتعلم والتطور النفسي والحياتي، وغاية الطالب المبتعث التعلم بأكثر قدر ممكن، خصوصًا من زملائه المبتعثين الخبراء الذين هم بنو جلدته ومن داخل ثقافته.