إن خبرتي في العمل بالمطار في مجال الاتصال المؤسسي كونت لدي زخما هائلا من الوقوف على العديد من حالات الاحتراق الوظيفي لمن يسلم نفسه طواعية له.
حيث إن العمل في المطارات يغلب عليه الدوام بنظام الورديات، تارة يكون صباحاً، وأخرى عصراً، وختاماً نوبة الليل، مثل عمل الأطباء في المستشفيات والطيارين تشاركاً في مبدأ تقلبات أوقات الدوام.
وسوف تجد من يداوم بطريقة منتظمة صباحاً فقط، وأوردت هذا التفصيل حتى أوضح بأن العمل وفق نظام الورديات متعب على صعيد أنك ستفقد ساعتك البيولوجية والتي من سماتها الاستيقاظ المبكر في الصباح.
وعليه فإن وجود ضغوطات في بيئة لا تخضع لمعايير إفراز هرمون الميلاتونين الذي يفرز في الليل، ويمنحك النوم العميق، وبالتالي سوف يؤثر فيك بشكل قطعي من الناحية النفسية والتي بدورها ستمخض أبعادها العضوية على جسدك.
العمل تحت رحمة مدير يستغل نقص العدد في تكليفك بمهام إضافية سوف يعظم من ذلك الاحتراق، فالحمدالله لم أعان من الاحتراق الوظيفي في بيئة المطارات، بسبب عملي مع قيادات أكن لها الشكر والعرفان، ولكن في المقابل عملي في الاتصال المؤسسي وتواصلي مع العديد من الموظفين وجدت أن الاحتراق الوظيفي مسؤولية شخصية.
نعم إنها مسؤولية شخصية في حالة الاستشعار بأن العمل أكبر قيمة في الحياة، وأنه شغلك الشاغل ومخلصك الوحيد، وإهمال الجوانب الأخرى التي تبلورعجلة الحياة، ستكون النتيجة بأنك لن تستطيع الوفاء بمتطلباتك الوظيفية، وسوف يفنى جسمك ولديك الكثير من العمل الذي سيتقاسمه زملائك من بعد رحيلك عن الحياة.
صحتك أغلى من تلك الساعات الإضافية التي تعمل بها بعد الدوام، فالحل هنا يكمن في إدارة وقتك بطريقة صحيحة وفعالة، حتى تنهي مهامك على الوقت المحدد، فالوقت هو المادة الخام للحياة، وعدم اخذ مهام زملائك تحت بند المبادرة ما لم يطلب منك بشكل رسمي.
ذلك سبب رئيس في الاحتراق الوظيفي النشاط والحماس الزائد بتحميل نفسك مالا طاقة لك به هو ما يدخلك في تلك المصيدة، أكثر حالات الاحتراق الوظيفي على مستوى العالم هي بسب قرارات شخصية للوصول إلى القمة في بيئة عمل مسمومة ومركزية لا يغلب عليها روح الفريق والمشاركة من جميع الموظفين.
وهذا جزء آخر من الصورة حيث إن البيئة غير (المحفزة والسامة) تعجل في تلك الاحتراقات الوظيفية لذلك اختار محيطك بعناية وأن تعمل في مجال تملك رصيد عالي من الشغف والابداع.
لأن استمرارك في مجال بعيد عنك ولا تستطيع أن تبرز قدراتك فيه، سوف يكبلك عن النجاح وهو بدوره من علامات الاحتراق الوظيفي.
وهنا تبرز أهمية التخطيط المهني دون وجود خطة واضحة المعالم لمسارك المهني، تضع فيها اهدافك بعناية، والدورات التدريبة التي تريد الالتحاق بها ستكون أشبه بعجلة الهامستر الدائرية نحو حلقات مفرغة إلى ما لا نهاية.
ولا يكفي التخطيط فقط، بل إيجاد الحلول وتحديث الخطة ومرونتها لتُحدث جغرافية بوصلة خارطة الطريق المهنية إلى الرفاه الوظيفي المنشود.
وكما يقول الفيلسوف أفلاطون (جوهر التخطيط يكون في إيجاد صيغ عملية لجعل أنشطتنا اليومية تسهم في بناء الصورة التي نرغب عليها في نهاية حياتنا).
بيئة المطارات متسارعة التغيير لمواكبة آخر التحديثات العالمية، لذلك العمل يحتاج إلى تطوير مستمر وشغف، وتذكر أن الانشغال ليس وسام شرف ترتديه فالإنتاجية والتوازن هو أساس الاستدامة.