"مقلوبة" أكله شعبية تنقلب فيها حبات الرز راساً على عقب ، لذا فإن ما سيرد في سياق هذه المقالة على غرار طيبة الذكر الكلمات المتقاطعة " معكوسة " ويحاكي الحالات التالية: يذهب أحدهم إلى الميكانيكي

أو الكهربائي لعطل طرأ في سيارته، فيفاجئه بأن المسألة بسيطة، سلك منفصل ولا تتجاوز التكلفة خمسين ريالا. يذهب إلى الطبيب اثر وعكة صحية ألمت به، يكشف عليه الطبيب وهو ممسك السماعة بيده اليمنى ،ويتقصى الجلبة التي أحدثها جسمه، وعيناه لاتغادران عينيه وفاقت في تملقها القطط. فيبتسم الطبيب وهو مطمئن ولا يطلب تحليلاً ولا اشعة، ومن واقع خبرته بالحالات التي مرت عليه يكتب له دواء لا يتجاوز سعره عشرين ريالا ، وأجرة الكشف لا تتجاوز ثلاثين ريالا والمحصلة خمسون ريالاً . يعقد العزم للتوجه لى السوبرماركت وما أدراك ما السوبرماركت، يجرالعربة التي تمشي معه بمهل وخيلاء، وكأنها مدعوة إلى حفل ، يملأ السلة على الآخر بما لذ وطاب، يعاونه الأهل والأصحاب طبعاً والأصحاب " الخادمة" ، وكل يرمي في السلة بما هو اشبه بمباراة نهائية لكرة السلة الأمريكية. يصل بكل هدوء إلى فوهة الكاشير وزر التحكم في قبضة المحاسب، ينثر الأغراض اللازمة وغير اللازمة على السير المعد لاستقبال مشترياته ويشنف مسامعه زر الجهاز مع كل غرض يمرره على جهاز المسح وقلبه يخفق مع كل نغمة نشاز ولاتمت للإطراب بصلة. يفاجئه بالقيمة التي لا تتجاوز مائتي ريال، يفرح وهو ساكت وربما هي المرة الأولى في حياته التي يفرح فيها وهو ساكت، أكيد " فيه شيء غلط"! لا يطاوعه ضميره على السكوت، فيسأل ويقول :ربما حصل خطأ في الحساب، فيفاجئه المحاسب بأن هذه هي الأسعار، وأن التخفيضات التي عملها السوبرماركت حقيقية، وقد احتسبوا هامش ربح معقول. يولي الأدبار مع الشلة على عجل، لا يغيرون رأيهم و" يضف" اغراضه وهو غير مصدق ما يحدث. يقف في الشارع ينتظر سيارة ليموزين، يسأله عن قيمة المشوار إلى حيث يتجه؟ فيبادره بالقول عشرة ريالات ، يركب ويملأ رأسه الاستغراب، ففي العادة المشوار من ثلاثين إلى أربعين ريالاً. يسأل السائق وهو منبهر بهدوء قيادته السيارة وليس كالعادة "مطفوق وتقل فشقة "، أي أنه يسير بسرعة الرصاصة، يسأل عن السبب فيجيبه بأن صاحب الشركة لايفرض عليهم تحصيل مبلغ معين بل ترك الأمر للتساهيل والبركة. يذهب مدعوا إلى زواج أحد الأصدقاء، وعندما يدخل القاعة يمط خشته استعداداً للخمخمة والقبل وحفلة التبويس النموذجية، فيقبل الجميع وتمتد رحلة البوس تلك إلى أهل العروس وأهل العريس وكل ما يمت لقاعة الاحتفال بصلة. يتبوأ مقعده بجانب أحد الأصدقاء ويتجاذبان اطراف الحديث ، فينادي منادٍ عند أحد الأبواب الخلفية الكبيرة " تفضلوا الله يحييكم". يدخل الجميع بوفيه مرتب وجبات مغلفة بكل عناية، كل وجبة تحتوي على العناصر الغذائية الكاملة بما فيها لحم المفطح وعصائر من مختلف الأشكال والألوان، فيسأل صديقه غريبة وين المفاطيح؟

فيجيبه وداعاً للتبذير " المبذرون إخوان الشياطين". التعاون بين الزملاء والزميلات في مجال العمل منقطع النظير، كل يحب الآخر، وكل يساعد الآخر الهدف هو العمل والإنتاج ،الاحترام يسود المكان، لا للنميمة ولا موقع للوشايات المغرضة ولا تصيد للاخطاء، رئيس متفهم على قدر كبير من التواضع والمسؤولية، لا تسمع من لسانه إلا " الله يقويكم"، يتحقق من كل شيء، يكره الظلم يتثبت من كل الاخبار التي تصل اليه؛ لكي لا تسوق مطرقته المتسرعة الظلم للآخرين لأنه يخشى الله ويخاف عقابه، ويخاف من دعاء المظلوم اشد من خوفه على خطاب احالته الى التقاعد، وهو يدرك بأنه مؤتمن على كل ما يحدث في دائرته.


،يذهب الى منزله وهو مندهش وفي غاية الاستغراب وسعيد في الوقت نفسه مما يحدث ويأمل ألا يكون هذا حلما أو بيضة ديك، يسترخي أمام شاشة التفلزيون بعدما رفع عصاقيله على الكنبة كأنه حرف واي بالانجليزي، وهو ممسك بـ " الريموت كنترول" يقلبه ذات اليمين وذات الشمال، فيشاهد حواراً فضائياً على الهواء، حيث الهدوء يضفي على نقاش المتحاوين المتعة، فيخرج بقيمة فكرية تثري ثقافته ، وجهات نظر متباعدة في بداية الحوار متقاربة الى حد التوافق في نهايته، لا زعيق ولا صراخ ولا مصارعة رومانية ، حوار هادف متزن واقعي في طرح الأفكار، ينظر الى الهدف وليس الى الترزز والمصلحة والانحياز غير المنصف . يتأبط اللاب توب متجهاً إلى أحد المقاهي القريبة من منزله ، وينقر على زر الإدخال بسبابته ويتجول في مواقع التواصل المختلفة وهو ممسك بالفارة، و في غمرة الإندهاش والاستغراب من المواقف التي مر بها، مواقع على قدر كبير من المسؤولية الأدبية، محتويات هادفة بناءة لا تجريح ولا استهزاء ولا تهكم وسخرية، نقد هادف بناء يسخر الشهرة لخدمة الناس. هنا سأسكت قليلا على قول المذيع الرياضي المبدع ولن أقول " مقلوبة " لأن كثيرا من المواقع يتحلى بهذه الصفات ولله الحمد بل انها تزداد بهذا الصدد بشكل ملحوظ، ولاريب ان هذا الأسلوب يكسبها احترام الجميع وزيارتهم في كل وقت، لاسيما وأنها الواجهة للبلد وأهله وأخلاق الإسلام العظيم.