هل هناك دراسات علمية دقيقة تؤكد أن أفراد هذا العمر غير قادرين على تعلم لغات جديدة؟ أم أن هناك دلائل تدعم فكرة أن من بعمر الأربعين لا يزال قادرًا على تعلم اللغة بفاعلية؟
تعالوا معي، دولة مثل اليابان، عمر الشباب عندهم «60 عامًا» والأرقام الأخيرة تشير إلى أن متوسط عمر النساء نحو 87 عامًا، والرجال نحو 81 عامًا. وهم في الأربعين في ريعان شبابهم يدرسون ويتعلمون لغات جديدة وليس لديهم قيد اسمه العمر. مؤسساتهم التعليمية تجاوزت الحدود العمرية، وتستند بدلًا من ذلك إلى قدرات ومؤهلات المرشحين، والعديد من الفنانين والمهندسين قرروا العودة إلى الدراسة في منتصف حياتهم المهنية لتحقيق أحلامهم الأكاديمية، ونجحوا في ذلك بفضل الدعم المؤسسي. بل عندما ننظر إلى شبابنا السعودي، كان هناك العديد منهم مرافقين خلال مرحلة الابتعاث في أمريكا وبعض الدول الأوروبية، وقد تمكنوا من تعلم عدة لغات، مثل الإنجليزية والفرنسية، رغم تجاوزهم الأربعين، وهم مؤهلون لدراسة البكالوريوس والماجستير. نعم هناك لا يقف أحد أمام رغبتك، لأن اختيار التخصص أو تعلم لغة جديدة حق من حقوقك.
في الولايات المتحدة تُعتبر الجامعات مراكز للابتكار والتنوع، وتُسجل العديد من الجامعات حالات خريجين في الأربعينات والخمسينات من عمرهم، الذين قرروا تغيير مسارهم المهني وتعلم مجالات جديدة، ما يعكس المرونة والتكيف في منظومة التعليم الأمريكية. في المملكة المتحدة - مثال آخر - نجد علامات بارزة على أنظمة تعليمية مشابهة، برنامج «Access to Higher Education» الذي يمنح الطلبة والطالبات تأهيل أنفسهم للدخول إلى الجامعات دون حواجز عمرية. وهنا نجد أن الجامعات تحتضن الطلاب من مختلف الأعمار، ما يثري النقاشات والفصول الدراسية بخبرات متنوعة ووجهات نظر حديثة تعزز من جودة التعلم. أما في الدول الإسكندنافية مثل السويد والنرويج، فتمتاز نظمها التعليمية بأنها مرنة وشاملة، مستندة إلى مبدأ التعلم مدى الحياة إذ يسمح للأفراد بالتسجيل في دورات دراسية وتعلم لغات جديدة حتى بعد التقاعد. هذا التوجه يعكس إيمانهم بأن التعليم لا يُقاس بعمر، بل بخبرة الفرد وشغفه. عندما نعود إلى شرط العمر الذي وضعته وزارة التعليم، يتضح أن تحديد حدود عمرية قد يعني إغفال الخبرات القيمة التي يمكن أن يجلبها الأفراد الأكبر سنًا إلى بيئة التعليم، وفي الحال ذاته يكرس القوالب النمطية التي تعزل الأفراد الأكبر سنًا عن التطور في مجالاتهم، على الرغم من أن الكثير من المعلمين والمعلمات يمتلكون مهارات غنية وفهمًا عميقًا لمجالاتهم، ما يمكن أن يعزز من بيئة التعلم.
في النهاية، يجب أن يكون الهدف هو صياغة بيئة تعليمية تحتضن جميع الأفراد، بغض النظر عن أعمارهم. إن بناء جسر بين الخبرات الحياتية المتنوعة سيثري عملية التعلم ويحقق الاستثمار الفعّال في رأس المال البشري السعودي. نأمل أن تعيد وزارة التعليم النظر في هذه الشروط، لتعزيز الفرص المتاحة أمام جميع المعلمين والمعلمات، وتمكينهم من تطوير مهاراتهم حتى لو كانوا في مراحل عمرية متقدمة.
كسر الحواجز العمرية في التعليم سيفتح أبوابًا جديدة، ويشجع على مشاركة المعرفة، ويدعم قيم التعاون بين الأجيال المختلفة.