يُحكى أن غراباً حاول تقليد مشية الحمامة فلم يستطع، وحاول العودة إلى مشيته فنسيها، وصار يعرج. هذا ما أخشاه تحديداً مع الاحترام للجميع أن يحدث. القصة باختصار إذا استعرضنا المشهد على رسم بياني يمثل المنحنيات والتقلبات. فنحن بدأنا بالاهتمام باللغة العربية وأعطيناها حقها من حيث الحرص على تعليم الأجيال، ولأنها لغة القرآن- بطبيعة الحال- فالجميع يحرص على إتقانها وبمصادر مختلفة. ثم مع الحراك والثورة المعرفية التي حدثت ولا تزال، ولاتساع دائرة التواصل والانفتاح على العالم، بدأت الحاجة لتعلم اللغة الإنجليزية.

ويُلاحظ في العصر الحاضر اهتمام متزايد من الآباء بتعليم اللغة الإنجليزية لأطفالهم وأبنائهم. العولمة وزيادة فرص العمل أحد الأسباب الرئيسة، فالإنجليزية أصبحت لغة الأعمال والتكنولوجيا، ويتطلع كثير من الآباء إلى تجهيز أبنائهم بسلاح اللغة الذي يتيح لهم فرصًا أكبر في سوق العمل المستقبلي. وكذلك التعليم العالي لأن عديداً من التخصصات الجامعية، خصوصاً في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا، تُدرّس باللغة الإنجليزية، إضافة إلى الوصول للمعرفة، فهي مفتاح للوصول إلى مجموعة واسعة من المعلومات والمصادر الأكاديمية والمعرفية المتاحة على الإنترنت، وفي المكتبات العالمية. والنقطة الأكثر رواجاً هي السفر والتفاعل مع الثقافات الأخرى.

اليوم هذا التوجه الكلي والاعتماد على اللغة الإنجليزية بدأت تظهر على ملامحه عوامل تعرية. فقلة استخدام اللغة العربية أدت إلى عدة أضرار ثقافية واجتماعية وتعليمية. لعل أولها فقدان الهوية الثقافية، فاللغة العربية جزء أساسي من هويتنا الثقافية، وقلة استخدامها قد تؤدي إلى تراجع الإحساس بالانتماء والترابط الثقافي بين الأجيال. وهذا التوجه تحديدا يتنافى ويتعارض مع توجه قاطرتنا السريعة على مسار الرؤية. كيف لا وعرابها أكد وشدد على الاهتمام بالهوية الثقافية والوطنية في عدة مناسبات. الاعتماد الكلي على اللغة الإنجليزية أضعف التواصل بين الأجيال وزاد الفجوة، حيث يصبح من الصعب على الجيل الشاب التواصل بفاعلية مع الجيل الأكبر الذي يعتمد على العربية في حياته اليومية. إضافة إلى التأثير في مستوى التحصيل العلمي وضعف المحتوى العربي الرقمي.


اقتحم عالمنا اليوم الذكاء الاصطناعي وأصبح يزاحم تفاصيل يومنا. ففي بيئة الأعمال على سبيل المثال أصبح يخدمنا من كتابة البريد الإلكتروني إلى تجهيز العروض الاحترافية. وإذا استمررنا على المثال نفسه لغتنا مهددة بالانقراض، وبدأت أستشعر هذا التهديد من خلال ندرة من يجيد كتابة المحتوى باللغة العربية، فالفرص الوظيفية في البحث عن كاتب محتوى باللغة العربية متمكن، بات أمراً صعباً وصعب جداً.