يقول ابن الهيثم في تأسيسه لمنهجية النقد والشك المنهجي في منظومته العلمية: «وحسن الظن بالعلماء في طباع جميع الناس... فطالب الحق ليس هو الناظر في كتب المتقدمين، المسترسل مع طبعه في حسن الظن بهم، بل طالب الحق هو المتهم لظنه فيهم، المتوقف فيما يفهمه عنهم، المتبع الحجة والبرهان، لا قول القائل الذي هو إنسان، المخصوص في جبلّته بضروب الخلل والنقصان».
في هذا التقرير، ينبه ابن الهيثم على خطأ تلقائي يقع فيه كثير من الناس والباحثين والنقّاد: الميل للعلماء والأساتذة وحسن الظن التلقائي بهم، وعدم إدراك بشريتهم القابلة للخطأ والزلل والنسيان. هذا تنبيه دقيق جدًا ونقد سيكولوجي داخل الحقل العلمي والأدبي، حيث إن كثيرًا من الباحثين قد يقع في هذا الخطأ بشكل لا إرادي ومن باب محبة أساتذته وعلمائه. يذكرهم ابن الهيثم هنا بأن يفصلوا بين التقدير الحياتي وبين مسؤولية العلم وفضيلة قول الحق، وعدم تضليل الناس من أجل محاباة العلماء والأساتذة.
من الناحية الثانية، طريقة النقد السليم المؤدي إلى إنتاج فكري سليم. حيث إن النقد إن لم يكن بطريقة محايدة ومبنيًا على منطق سليم يؤدي ذلك إلى صراع أيديولوجي أو إنتاج فارغ غير مثمر. يقوم النقد السليم على ثلاث ركائز، أولًا: فصل الموضوع عن الشخص المفكر فيه. ثانيًا: الشك المنهجي الذي يحاول تخطئة الموضوع من كل الجوانب. فإذا سلم الموضوع من مشرحة النقد والتخطئة يعتبر صحيحا ومتماسكا. حيث إن التفكير في نقد الموضوع من جانب واحد قصور فيه. النقد من جانب واحد اختزال للفكرة المطروحة، وحصر الموضوع في جانب واحد فقط. قد يجيد الناقد هذا الجانب ويجهل باقي الجوانب التي قد تصحح تفكيره وتوسع نظرته عن الموضوع. ثالثًا: أن ينقد الباحث حتى نفسه، وهذه مرحلة متقدمة في التفكير.
يقول ابن الهيثم: «الواجب على الناظر في كتب العلوم، إذا كان غرضه معرفة الحقائق، أن يجعل نفسه خصمًا لكل ما ينظر فيه. ويجيل فكره في متنه وفي جميع حواشيه، ويخصمه من جميع جهاته ونواحيه، ويتهم أيضًا نفسه عند خصامه فلا يتحامل عليه ولا يتسمح فيه. فإنه إذا سلك هذه الطريقة انكشفت له الحقائق، وظهر ما عساه وقع في كلام من تقدمه من التقصير والشُّبه».