التفكير الناقد نمط يمارسه الفرد عند التعامل أو التعرض لقضية ما أو الدخول في مناقشة عابرة، والتي غالباً ما تنتهي باعتقاد معين مرورا بمرحلة التقييم. فالاعتماد على أسلوب التقصي والتفكير باستقلالية هو ما يضاعف القدرة لحل المشاكل بطريقة علمية وموضوعية بعيدا عن العاطفة أو الشفقة بتعبير أدق، لأن العاطفة سمة التواصل البناء لتعميق الفهم والتعبير عن الاحتياجات، وليس للانجرار خلفها والدخول في نفق الشفقة التي قد نُستغل من خلالها، فالتفكير سمة أساسية وهو محرك أساسي أيضاً للسلوك الإنساني.

ولأهمية مهارات التفكير الناقد أوصت العديد من الدراسات إلى ضرورة إكسابها للشباب والفتيات في مرحلة ماقبل الجامعة، لتحفيزه للتفكير بشكل موضوعي وتنمية قدرته على الربط بين السبب والنتيجة وتحليل المعطيات بشكل دقيق دون أي مؤثر خارجي، لا سيما مع ما نواجه في هذا العصر من انفجار معلوماتي وتغير سريع ومتلاحق حتى أن المختصين أطلقوا مصطلح فوكا (VUCA) لوصف حالة العالم اليوم، ولمواجهة تلك التحديات لابد من بناء وصقل شخصية الشباب والفتيات للتصدي للأفكار والشائعات المختلفة وتحسين القدرة على الموازنة بين الأمور بالمنطق والمنهج وبعيدا عن الشفقة والأهم من ذلك القدرة على المناقشة والحوار وفهم وجهات النظر وعدم التطرف في الآراء والأحكام.

واستشعارا من مملكتنا الحبيبة لأهمية تلك المهارات وأهمية رأس المال البشري لقطف ثمار مابعد رؤية المملكة (2030) والتي بدأنا نلامس نجاحاتها في اكتمال البناء الإداري والاقتصادي والثقافي للوطن ليبقى على عاتق الجيل القادم مضاعفة القيمة المنتجة وحمايتها، لذا أولت حكومتنا المناهج التعليمية أكبر اهتمام ولعل أبرز تلك الجهود المتوافقة مع سياق مقالي هذا هو اعتماد منهج التفكير الناقد للصفين الأول الثانوي والثالث متوسط بطرح جميل بعيداً عن الدراسات النظرية والفلسفية، وذلك بالاعتماد على تعليم الطلاب مهارات التفكير العليا لبناء آرائهم بصورة نقدية ولتفكيك المغالطات التي يطرحها أصحاب التيارات والأيدولوجيات بقطبيها الظلامي والانحلالية، فالهدف هو تحصين شبابنا وفتياتنا من الانحراف وراء تلك الأحزاب، والجميل ذكره ان المناهج تناولت ذلك بكل وضوح وموضوعية وحرصت على ترسيخ قيم الاعتدال والوسطية والمواطنة والنظرة الشاملة للقيم الإنسانية المشتركة، وكذلك تأصيل ثقافة الحوار والتواصل والعيش والمصير للمشترك بين الشعوب.


ولأننا وطن طموح يحمل بين جنباته شعب عظيم وجبار، شعب متفاعل ومتناغم يضع في مقدمة تطلعاته الريادة والازدهار في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لابد أن ترتقي أفكار أبنائه لتواكب ذلك، ولتبفظ كل فكرة أو رأي هدام وغير بناء بعقول أبنائه قبل أي قوة أخرى، وليتسنى ذلك لابد من بناء الأجيال القادمة بناء فكري سليم، ويكون لذلك الجيل الأدوات الفكرية التي تمكنه من التحليل والتقييم واتخاذ القرارات بكل ثقة وموضوعية.