كثيراً ما يتردد مصطلح "العلاقات الخاصة" لدى مناقشة العلاقات الأميركية -الإسرائيلية، وكرس كثير من المحللين والمراقبين دراسات كثيرة حول السبب الذي يدفع الولايات المتحدة للمحافظة على علاقاتها مع إسرائيل في أفضل حالاتها بغض النظر عن قضية المبادئ والقيم الأميركية التي يتغنى بها الأميركيون، والتي يفترض أنها تدعو لمناصرة العدالة وحقوق الشعوب في وجه الطغاة والمستبدين. لكن إسرائيل، ورغم انتهاكها لكل قوانين العالم تقريباً بإصرارها على احتلال أراضي الغير بالقوة، والقيام بأعمال عدائية تجاه من تشاء من جيرانها ساعة تشاء، واعتقال آلاف الفلسطينيين لمجرد أنهم تجرؤوا على المطالبة بحقوقهم المشروعة ودافعوا عن حرية بلادهم، ورغم إصرارها على إحراج الولايات المتحدة في كثير من المحافل الدولية بكل وقاحة، وقيامها بأعمال تجسس على منشآت تمس الأمن القومي الأميركي، رغم كل هذا وأكثر، تصرُّ الولايات المتحدة على الدفاع عن "العلاقة الخاصة" التي تربطها بإسرائيل وعلى الدفاع عنها وحمايتها من أي قرار دولي قد يتخذ ضدها. فما سر هذه "العلاقة الخاصة" التي تربط هذين البلدين؟

يقول روبرت بلاكويل ووالتر سلوكومب، في تقرير نشره "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في بداية نوفمبر الحالي، أن إسرائيل تُقدِّم فوائد كثيرة للولايات المتحدة ومصالحها الوطنية. ويؤكد الكاتبان أن لدى الولايات المتحدة وإسرائيل قائمة طويلة من المصالح الوطنية المشتركة، وأن الأعمال الإسرائيلية تقدم مساهمات مباشرة كبيرة لهذه المصالح الأميركية، كما أن الحكماء من صُنَّاع السياسة وأولئك المعنيين بالسياسة الخارجية الأميركية ينبغي لهم أن يدركوا المنافع التي تقدمها إسرائيل للمصالح القومية للولايات المتحدة.

المصالح الوطنية المشتركة

يُعتبر الشرق الأوسط الكبير من المناطق الهامة للولايات المتحدة من عدة نواح، خاصة في مجالات:

• منع انتشار أسلحة الدمار الشامل وخاصة الأسلحة النووية.

• محاربة الإرهاب والأيديولوجية "الإسلاموية المتطرفة" التي ينبثق عنها.

• معارضة انتشار النفوذ الإيراني ونفوذ شركاء إيران ووكلائها.

• ضمان التدفق الحُر للنفط والغاز بأسعار معقولة.

• حماية أمن إسرائيل.

ومن اللافت أن مصالح إسرائيل الوطنية متطابقة تقريباً، فهي تشمل:

• منع الانتشار النووي وخاصة من جانب إيران أو عبر جماعات إرهابية.

• محاربة الإرهاب والتطرف وما يصفه الإسرائيليون بـ"الجهاد العالمي".

• الحفاظ على حدود آمنة مع جيرانها.

وفي الحقيقة ليست هناك دولة أخرى في الشرق الأوسط ذات مصالح وطنية يمكن تحديدها بأنها مصطفة بمثل هذا التقارب مع مصالح الولايات المتحدة.

المساهمات الإسرائيلية في المصالح الوطنية الأميركية

يقول التقرير إنه بالإضافة إلى عملية السلام وخارج إطارها، يقدِّم التاريخ أمثلة عديدة عن التصرفات الإسرائيلية الخاصة التي أفادت المصالح القومية للولايات المتحدة.

فأثناء الحرب الباردة، كانت أشهر عملية آنذاك هي سرقة إسرائيل الجريئة لرادار سوفيتي من مصر في عام 1969 والرد الإسرائيلي الإيجابي على طلب الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون بتسيير رحلات استطلاع جوية وحشد قوات للمساعدة على مواجهة التدخل السوري في الأردن عام 1970 وتقديم إسرائيل معلومات استخباراتية فنية حول العديد من أنظمة الأسلحة السوفيتية التي تم الاستيلاء عليها خلال حربي 1967 و1973، وفي الآونة الأخيرة ساهمت جهود إسرائيل في مكافحة الانتشار النووي - بما في ذلك قصف المفاعل النووي العراقي في عام 1981 - بصورة كبيرة لمصالح الولايات المتحدة. كما أن الهجوم الذي وقع عام 2007 على المفاعل الذي قدمته كوريا الشمالية لسورية، والذي لم تعترف به إسرائيل رسمياً قط، قد ضمن إيقاف تقدم سورية نحو إنتاج سلاح نووي في مرحلة مبكرة.

وفي عدد من المناسبات اتخذت إسرائيل أيضاً قرارات صعبة، حيث تمالكت نفسها بعدم الرد، وكان ضبط النفس هذا مهماً للمصالح القومية للولايات المتحدة. وهذا ما حدث عندما قررت إسرائيل قبول طلب الولايات المتحدة بعدم الرد على هجمات صواريخ سكود العراقية أثناء حرب الخليج الأولى حيث خشي المسؤولون الأميركيون من أن يؤدي ذلك إلى انسحاب الدول العربية من التحالف الدولي. وبالمثل فإنه بعد خلاف مُستعر أحياناً مع واشنطن وافقت إسرائيل على إنهاء بيع الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية الإشكالية للصين، ومن ثم حرمان نفسها من سوق كبيرة لصادراتها العسكرية المتقدمة عالمياً ومصدر للنفوذ مع بكين.

واليوم تتنوع المساهمات الإسرائيلية للمصالح الوطنية الأميركية عبر نطاق واسع، على سبيل المثال:

• استفادت الولايات المتحدة في مجالات التعاون لمكافحة الإرهاب والاستخبارات التكتيكية والخبرة في الحرب المدنية. ومن المقرر القيام بأكبر مناورة أميركية إسرائيلية على الإطلاق في ربيع عام 2012.

• تقوم التكنولوجيا الإسرائيلية بتعزيز المصالح الأميركية، حيث تلجأ وكالات الأمن الداخلي والوكالات العسكرية الأميركية على نحو متزايد إلى التكنولوجيا الإسرائيلية لحل بعض مشاكلها التقنية الأكثر إزعاجاً.

• في المجال الحيوي للتعاون في الدفاع الصاروخي، لدى الولايات المتحدة علاقة واسعة ومتعددة الجوانب مع إسرائيل التي تمثل شريكها الأكثر خبرة في هذا المجال البارز للولايات المتحدة. فالدفاعات الصاروخية الإسرائيلية - بما في ذلك النشر الأميركي في إسرائيل لنظام الرادار المتقدم X-band وأكثر من 100 من الأفراد العسكريين الأميركيين الذين يشغلونه - سوف يكون جزءاً لا يتجزأ من هيكل دفاعي صاروخي أكبر يطوق أوروبا وشرق البحر المتوسط والخليج مما يساعد على حماية القوات الأميركية وحلفائها في هذه المنطقة الشاسعة.

• في حين أنه من المؤكَّد أن إسرائيل تحقق مكاسب كبيرة من المساعدات المالية الأميركية السخية لجيشها، إلا أن لدى الصناعات العسكرية الإسرائيلية كفاءات معينة فريدة من نوعها تعود بالنفع على الولايات المتحدة. وإحدى ثمار هذا النفع هي الأهمية المتنامية لبضائع الدفاع الإسرائيلية بالنسبة للجيش الأميركي، حيث استفادت الولايات المتحدة من إتاحة القدرات الإسرائيلية في "تخصصات" رئيسية في التكنولوجيا العسكرية. وإجمالا فقد زادت قيمة المشتريات الأميركية السنوية من مواد الدفاع الإسرائيلية بشكل مطرد على مدى العِقد الماضي لتصعد من أقل من نصف مليار دولار إلى حوالي 1.5 مليار دولار اليوم. ومن بين معدات الدفاع الإسرائيلية المتقدمة التي يستخدمها الجيش الأميركي أنظمة الطائرات من دون طيار قصيرة المدى التي شهدت الخدمة في العراق وأفغانستان، وأدوات تحديد الأهداف بدقة في مئات من طائرات الهجوم في القوات الجوية والبحرية والمشاة البحرية، ومنظار ثوري محمول على خوذة الذي يعد قياسياً تقريباً في جميع طائرات الخطوط الأمامية المقاتلة في القوات الجوية والبحرية.

• التعاون في مجالي الاستخبارات ومكافحة الإرهاب هو عميق وواسع، حيث تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل على تعزيز مصلحتهما المشتركة في محاربة حركتي حماس وحزب الله وتنظيم القاعدة والجماعات المنتمية إليه عن طريق تبادل المعلومات ودعم الأعمال الوقائية وردع التحديات وتنسيق استراتيجية شاملة.

• وبشكل أعم، فإن إسرائيل شريك كامل في العمليات الاستخباراتية التي تفيد كلا البلدين مثل الجهود الرامية إلى اعتراض تمويل إيران بقطع غيار لبرنامجها النووي، أو منع تهريب الأسلحة في البحر الأحمر والبحر المتوسط. وتعزز هذه العلاقة الحميمة الجهود الشاملة لأجهزة الاستخبارات الأميركية من خلال إتاحة الفرصة لواشنطن للوصول إلى مجموعة فريدة من القدرات الإسرائيلية لجمع المعلومات وتقييمها بخصوص دول وقضايا رئيسية في المنطقة، باعتبار أن إسرائيل قادرة على تركيز الموارد والاهتمام على أهداف معينة ذات أهمية قُصوى للولايات المتحدة.

• ونظراً لكون إيران وحلفائها في الشرق الأوسط يمثلون مخاطر آنية وواضحة على المصالح الأميركية فإن جيش إسرائيل - وهو الأقوى في المنطقة - يلعب دوراً هاماً في التصدي لهذه التهديدات التي تفرضها على وجه الخصوص سورية وحزب الله وإلى حد ما إيران نفسها.

ويشير التقرير إلى أن بإمكان الولايات المتحدة إقامة علاقات قوية ومثمرة مع الدول العربية وغيرها من الدول المسلمة في الوقت الذي تعزز تعاونها الوثيق مع إسرائيل، وأن التزام الولايات المتحدة الطويل الأمد لإسرائيل لم يمنع من تطوير علاقات وثيقة مع دول عربية تدرك جيداً أنه مهما كان حجم الخلاف حول الدعم الأميركي لإسرائيل، إلا أنها تستفيد من وجود علاقات طيبة مع الولايات المتحدة حول قضايا أخرى. كما لم يجعل هذا الالتزام الدول العربية المصدرة للنفط أقل إدراكاً بأن مصلحتها الاقتصادية والاستراتيجية تكمُن في تدفق مستقر بشكل معقول للنفط إلى الأسواق العالمية أو تطلعها لشراء معدات عسكرية متقدمة عالمياً من الولايات المتحدة أو الاستفادة من مزايا الحماية الأميركية ضد العدوان الإيراني أو غيره.

وعلاوة على ذلك، ورغم الهجمات الشعبية لـ"الشارع العربي" ضد الولايات المتحدة بوصفها صديقة لإسرائيل، إلا أن أميركا لا تزال أيقونة جاذبة للشباب العرب في الثقافة الشعبية ومجالات التعليم والتجارة والتكنولوجيا. ورغم كون القلق من إسرائيل حقيقياً، إلا أنه لا يزال يحظى بأولوية منخفضة في معظم الرأي العام العربي، حيث تأتي الاهتمامات بالتقدم الاقتصادي ومكافحة الفساد المستشري على رأس الأولويات.