الإسلاميون على الحقيقة هم الذين يتبعون الإسلام كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما فهمه عنه السلف الصالح، لا يتراجعون قيد أنملة عن هذا المنهج، فلا يضعفون عند شعار الحرية حتى يصل بهم الأمر إلى أن يجعلوها مقدمةً على الشريعة، ولا تغريهم خدعة المساواة حتى يذهب بعضهم إلى القول بمساواة الرجل بالمرأة حتى في الميراث، ويقولون إن الشريعة جاءت بما هو متعارف عليه عند الأوائل، والعرف قد تغير فتتغير معه الفتوى، ولا ينزلقون مع دعايات حقوق الإنسان حتى ينكر بعضهم حد الزنا وحد الردة ويتأولون حد السرقة، هذا وهم ـ أي السلفيون ـ في الاعتقاد و العبادات لا يزيدون فيها ولا ينقصون عما تركهم عليه رسول الله وما نُقِل لهم عن السلف الصالح رضي الله عنهم.

فهم الإسلاميون شاء من شاء وأبى من أبى، على ما بينهم من اختلاف تُعمِّقه الأهواء نسأل الله أن يجير منها أمة محمد صلى الله عليه وسلم. أما غيرهم ممن يضعفون عندما تُذْكَر مناهج الغرب فيسعون إلى تحريف الدين ليصير وفقاً لهذه المناهج، فليس انتسابهم للإسلام صحيحاً بل الصحيح أن يقال عنهم قول آخر لا أدري حتى الآن ما هو؟ وإن كان الليبراليون قد ابتكروا مصطلحاً لا أظنه سائغاً لغة وهو «الإسلامَوِيون»، ويعنون به الجميع، أي السلفيين وغير السلفيين، ولولا عدم صحته من جهة اللغة لاخترته عَلماً على غير السلفيين.

وسوف أسميهم في هذا المقال «المتأسلمين»، وأنا أعلم أنه مصطلح لا يصلح لمن أعنيهم، لكن ليكن مصطلحاً مؤقتاً حتى أجد أنسب منه، فهؤلاء المتأسلمون قصتهم مع الشعارات وكيف تعلقوا بها قصة طويلة، وكانوا سريعين في الاغترار بكل راية ترفع، ويذكر فيها الإسلام، دون التمحيص فيها، هل تتفق مع الحق أم تتناقض معه؟ فمثلاً قامت الثورة الخمينية فوقفوا معها وساندوها بإخلاص وعلقوا عليها الآمال ودافعوا عنها، ثم جاء الغزو العراقي للكويت فمن حين تعلق صدام حسين بالإسلام بعد الغزو تعلقوا به وأيدوه، وحين قام حزب الله بمسرحيّاته المعروفة في قتال الصهاينة آزروه، وحينما فاز «حزب العدالة والتنمية» بالرئاسة في تركيا ناهضوا الدنيا من أجله، وحين اشتعل ما يسمونه «الربيع العربي» أيدوه وناهضوا من توجس منه، ثم كانوا خصوما لمن ناهض هذه الثورات حتى بدأت تتراجع.


واليوم لا شيء مما سبق وأحسنوا الظن به إلا وشهدت الشواهد العظيمة أنه لم يكن محلاً لما أملوا فيه، بل على عكس ذلك، فعداوة إيران والكيان الصهيوني عداوة محددة بمصالح البلدين فمتى تجاوزت مصالحُ إيران الحدَّ المُوَافَق عليه سلفاً من الصهاينة كانت خصماً، وللخصومة أيضاً حدود لا تتجاوزها، وقد اتضح ذلك بشكل غير مسبوق في تبادل الضربات بين البلدين، فإيران تخبر اليهود برغبتهم في ضربهم، واليهود يخبرون إيران بمواقع ضربهم حتى لا يصيبوا شيئاً لا يريدونه، والموافقةُ مسبقةٌ من كلا الطرفين، وقد عرف من لا يعرف من كل ذلك أسرار التاريخ والمستقبل الذي يتوقعونه كما عرفوا الواقع على حقيقته.

وصدام حسين لم يكن يعمل لفلسطين ولم يكن إعلاء كلمة الله في خارطته، بل كان يعمل للعراق بشكل غير منطقي أدى إلى أن تكون العراق اليوم تحت الاحتلالين الإيراني والأمريكي، مع أن إيران في الصورة التي ترسمها الولايات المتحدة عدو لدود، ومع ذلك يتشاركان بإخلاص في احتلال دولة عربية.

وما يُسمى ربيعاً عربياً تبين أنه كان ربيعاً من صناعة أمريكية، لكن الله تعالى وقى شرها في بعض البلاد، ولا زال شرها مستطيراً في بلاد أُخر لاسيما السودان، الذي يُحِسُ البُصَراء بوقع أقدام الصهاينة فيما يجري فيه، ولذلك كلامٌ آخر.

المهم أن جميع ما أمل به المؤملون صار رماداً تذروه الرياح، ولم يبق لهم إلا المملكة العربية السعودية، فهي التي لم يقفوا معها ولم يُؤَمِلُوا فيها بالرغم من وحدة موقفها وشِدَّتِها فيه منذ تأسست وحتى اليوم، ومنذ احتلال الصهاينة لفلسطين قبل ستة وسبعين عاماً وقبل ذلك، فلا يزال موقفها من الصهاينة حاداً في حقيقته، وإن كان يلتزم العبارات الدبلوماسية، ويتجنب العبارات الصارخة التي تخرج إلى حد التهريج السياسي.

كما أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في دول العالم الإسلامي التي تعلن عن دستورية القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإن قيل إنها قد خالفت السنة في مواضع محددة وذات أثر في بنية المجتمع، فيقال إن هذه المواضع ليست محل تحريم عند هؤلاء المتأسلمين لا سيما من هم خارج السعودية، فهم لا يحرمون الغناء ولا الاختلاط ولا يحرمون عمل المرأة بجميع أشكاله، وكانوا قبل عهد الملك سلمان ممن ينتقدون المملكة بشدة لعدم أخذها بهذه الأمور، كما أنها لا تساوي شيئا في مقابل أمور تحدث وتتزايد في دولٍ أُخَرَ محل تقدير لدى المتأسلمين. وغير ذلك لن يجدوا شيئاً إلا مفتريات تعودنا على سماعها.

وفي مجال السياسة خاصة لن تجد أوضح من سياسة المملكة وأشدّ استقامة وبعداً عن التلاعب والكذب وإبداء غير الرأي الذي يعتقده الساسة، فكل ما يُعلن عنه هو الصواب إن شاء الله، لا يختلف في ذلك اثنان.

إذاً لماذا بعد هذه الخيبات لا يعرف هؤلاء مواطن الحق ويؤيدون السعودية في مشاريعها العالمية، فهذا خير لهم من التمادي في الفشل وراء الدعايات الرخيصة والدعاوى الزائفة، وأخص في هذا المقام رفض المملكة لأي تطبيع مع اليهود قبل إعلان حل الدولتين، دولةٍ لليهود ودولةٍ للعرب، ومع أن هذا الحل ليس هو الطموح العربي، إذ إن الطموح العربي هو عودة فلسطين عربية كما كانت منذ خمسين ألف سنة، وإسلامية كما كانت منذ ألف وأربعمائة عام، لكن كما يقول المثل: " إن أطاعك الزمن وإلا فَأَطِعْهُ" ، فمعايير القوة المادية قد اختلفت، وهي بكمالها اليوم مع اليهود.

كما أن وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي هو الوحيد من بين الوزراء العرب ألذي أعلن دون تورية في الأمم المتحدة أن المملكة لن تحيد أبداً فيما تقرره في علاقة الرجل بالمرأة عما تمليه الشريعة الإسلامية.

وإني أدعو من ههنا الجميعَ إلى مناصرة القضايا العربية والإسلامية مناصرة حقة، ولن يكون ذلك في هذه الظروف إلا بمناصرة الموقف السعودي وعدم الحيدة عنه.