في أبها، أسعد بالنشاط المسرحي الذي يمارسه مجموعة من الشباب الرائعين الذين يجري حب هذا الفن في عروقهم؛ أسعد وأنا الجاهل بما آل إليه هذا الفن من تطور، لكن الفعل الفني والثقافي سبب من أسباب البهجة، ودليل على حالة حضارية، تستوجب أن نقول لهولاء الفاعلين: لكم الحب والشكر.

وهنا أستذكر أن أهالي منطقة عسير قد عرفوا نوعا من المسرح الشعبي كانوا يسمونه: "العجب، أو العجبة"، وهو ممارسة مسرحية عفوية يقوم بها بعض الأفراد في أمسيات السمر، ويعتمدون فيها على الأدوات المحلية، دون أن يكون لها نص مكتوب، حيث يستقون الحوار والأحداث والشخصيات من حياتهم الريفية، إلا أن هذا الفن المسرحي الشعبي اختفى مع ظهور وسائل الترفيه الحديثة، وما أكثرها.

وعلى الرغم من وجود هذا الفن في التاريخ الشعبي لأهالي منطقة عسير، إلا أن حاجته إلى مقومات كثيرة، وإلى وعي متقدم، جعلته يغيب فترة طويلة، حتى نجحت جهود "وزارة المعارف" ـ قبل ظهور بعض الحركات الفكرية الممانعة للجمال ـ في جعل هذا الفن عنصرا رئيسا من عناصر النشاط المدرسي.

ويبدو أن منطقة عسير كانت من أوائل المناطق التي أفادت من هذا الاهتمام، فكانت الفائزة بالمركز الأول في المسابقة المسرحية التي أقامتها وزارة المعارف سنة 1402\ 1403هـ، وذلك يعني وجود اهتمام بهذا الفن، ووجود نصوص مسرحية كثيرة لم تأخذ طريقها إلى النشر، لأن كتابها يهتمون بأدائها، أكثر من اهتمامهم بطباعتها ونشرها.

والواضح أن المسرح المدرسي كان من أسباب الاتجاه نحو كتابة النصوص المسرحية، حتى إن أوائل المسرحيات المنشورة، إنما كتبت لتؤدى على المسارح المدرسية، ومن ذلك نموذجان مبكران؛ إحداهما مسرحية شعرية لعلي آل عمر عسيري ـ رحمه الله ـ وكان عنوانها: "صابر"، وفيها حرص المؤلف على أن يذيل عنوانها بعبارة: "مسرحية شعرية للنشء"، مهديا إياها إلى أبنائه الطلاب، وهي مقسمة إلى تسعة مواقف، يؤدي الأدوار فيها خمس شخصيات رئيسة وآخرون.

والأخرى مسرحية: "من قلب الصحراء"، للشاعر أحمد عسيري، وتتكون من أربعة عشر مشهدا، استطاع الكاتب فيها أن يمزج بين الشعر العمودي، والتفعيلي. وتوحي كثرة أسماء المدارس، والعاملين على عرض هذه المسرحية باهتمام كبير بهذا الفن، حيث شارك في إعداد العرض، وتجهيزه أربعة وأربعون شخصا، وشارك في التمثيل طلاب من تسع عشرة مدرسة.

الآن يعود الوهج المسرحي إلى أبها عبر جمعيتها التي تراه أباً، وحق له ولها.