في أيام تتسم بالانقسامات والمواجهات بين أفراد أمتنا، خاصة على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، فإن عبارة «هذه الأيام ليست مثل الأيام التي سبقتها؛ إذا فقدناها، فسوف نفقد ما يأتي بعدها» بمثابة تذكير قوي بالحاجة الملحة إلى الاتحاد تضامنًا مع أولئك الذين يعيشون المعاناة تحت وطأة القتل والتدمير الهمجي لممتلكاتهم. إن هذا النداء من أجل الوحدة لا يسلط الضوء على أهمية اللحظة الحالية فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على الآثار المترتبة على أفعالنا اليوم بالنسبة للمستقبل. ولكي نقدر هذا التأكيد بشكل كامل، يجب علينا أن نتعمق أكثر في عواقب التقاعس عن تقديم الدعم، بل وضرورة الوقوف خلف سردية موحدة تشمل الجميع في سعينا لتحقيق العدالة.وهنا يتعين علينا الإشارة لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي سير طلائع الجسر الجوي، وعلى متنها مساعدات غذائية وطبية وإيوائية، إلى الشعب اللبناني الشقيق لمساندته في مواجهة هذه الظروف الحرجة.

يعلمنا التاريخ أن فترات الحروب غالبا ما تكون محفوفة بالمخاطر والخسائر للمدنيين خاصة، وعندما يعاني الناس من الاعتداءات الهمجية، والظلم، والتهميش ، فإن معاناتهم تمتد إلى ما هو أبعد من ظروفهم المباشرة، مما يخلق تموجات تؤثر سلبا على السلم والأمن والتقدم، فطالما أن هنالك منطقة تشتعل لا بد أن تتأثر بقية المناطق بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

إن التقاعس عن العمل في مواجهة مثل هذه المعاناة يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، وإذا فشلنا في معالجة هذه المظالم، فإننا لا نخاطر باستمرار المعاناة فحسب، بل نخاطر أيضًا بتآكل الإنسانية بداخلنا، فإن غض الطرف عن صرخات الاستغاثة يعزز الاستياء وانعدام الثقة بين الناس، سيصبح الحال: «إن وقعت لن يتحرك أحد لنجدتي».


علاوة على ذلك، فإن السلام الذي يتحقق دون عدالة هو سلام هش ومؤقت، نعم قد يبدو الأمر هادئًا على السطح، لكنه مبني على توترات ومظالم لم يتم حلها، ومن الممكن أن يتحطم مثل هذا السلام بسهولة بسبب القضايا الأساسية التي تظل دون معالجة، ما سيؤدي إلى اضطرابات وصراعات متواترة. لقد أظهر التاريخ أن السلام السطحي غالبًا ما يفسح المجال لانقسامات أعمق، ما يؤدي إلى دورات من العنف واليأس.

يمكن لوحدة الرؤى والسردية أن تضخم الأصوات التي يتم إسكاتها والتعتيم عليها من قبل وسائل إعلام الغرب المنحاز بشكل وقح وغير مبال بسلبية ارتدادات أفعاله على جمهوره المحلي قبل العالمي، ما يحول الجهود الفردية إلى جماعية من أجل التغيير في الوجدان العالمي للضغط لإصدار قرارات في صالح الضحايا. عندما يجتمع الأفراد معًا لمناصرة أولئك الذين يعانون، فإنهم يخلقون قوة قوية قادرة على تحدي الوضع الراهن، كما يرسل هذا التضامن رسالة واضحة: نحن نرفض تجاهل روايات الشعب المقهور والمحتل. ومن خلال وقوفنا معهم، فإننا نؤكد على صحة تجاربهم الأليمة والمتواصلة من عقود عدة؛ نضخّم نداءاتهم من أجل العدالة إن كنا نسعى للسلام، لكن لنتذكر أنه في حين يسعى الكثير إلى السلام، يجب أن ندرك أن السلام الحقيقي والدائم لا يمكن أن يتحقق دون عدالة؛ فمن دون معالجة الأسباب الجذرية للمعاناة - الاحتلال والقتل والتهجير- سيظل أي سلام نحققه هشًا.

عند الدفاع عن أولئك الذين يعانون، من الضروري تطوير سردية مشتركة يتردد صداها في مختلف المجتمعات، كما يجب أن تظهر هذه السردية الفريدة المعاناة الطويلة والمستمرة التي يواجهها الشعب المحتل والمهجر مع التأكيد على إنسانيتنا ووحدتنا المشتركة، فمن خلال تأطير هذه القضايا ضمن سياق أوسع للعدالة والإنسانية، فإننا نعزز التعاطف والتفاهم ونرسل من خلالها رسالة أقوى للعالم.

علينا أن نذكّر أنفسنا أن الظلم الذي يواجهه جزء من أمتنا يؤثر فينا جميعًا في نهاية المطاف، وعليه يمكن لهذه السردية المشتركة أن تكون بمثابة أساس للتضامن، ما يمكننا من بناء الجسور مع العالم من حولنا في سعينا لتحقيق العدالة.

إن الأيام التي نمر بها حاليًا -والتي تتسم بالصراعات والألم والسعي لتحقيق العدالة- هي أيام محورية. فهي ليست مجرد حوادث معزولة بل هي لحظات حاسمة تحدد مستقبلنا الجماعي، وإذا فقدنا فرصة الدفاع عن أولئك الذين يعانون، فإننا نخاطر بفقدان الرؤية لأمة أكثر شمولًا، إن كل عمل تضامني تأييدي يتم اتخاذه اليوم يساهم في اقترابنا من تحقيق العدالة المسلوبة.

ولكي نتبنى التزامنا المشترك بالعدالة، يجب أن ندرك أن السعي لتحقيق العدالة ليس مجرد ضرورة أخلاقية بل ضرورة عملية لتحقيق السلام الدائم، فالعدالة تخلق بيئة يمكن أن يزدهر فيها الجميع، وتفكك الظروف التي تولد صراعات جديدة.

من خلال الوقوف في وحدة مع أولئك الذين يعانون نظهر أننا نصدق وندعم رواياتهم ونؤمن بمستقبل أفضل للجميع، فالأيام التي نعيشها الآن -كما سبق وذكرت- تختلف بالفعل عن الأيام السابقة؛ دعونا نضمن أنها تمهد الطريق لغدٍ يعكس التزامنا المشترك بالعدالة والوحدة، فالسلام الحقيقي لا يمكن أن يزدهر إلا على أساس العدالة، ومن مسؤوليتنا الجماعية أن نبني هذا الأساس معًا.

بالنهاية، يجب أن نتذكر ونحن ندافع عن المظلومين، أن سعينا لتحقيق العدالة أمر ضروري لفتح الطريق لسلام مستدام وهادف للأجيال القادمة، لذا دعونا لا نكتفي بالسعي إلى السلام فحسب، بل نسعى جاهدين من أجل فهم أعمق للعدالة، مدركين أنه من خلال السعي لإعادة الحق المسلوب يمكننا أن نأمل في خلق عالم لا يكون فيه السلام مجرد حلم، بل حقيقة واقعة للجميع.