ويعدّ اليوم العالمي للتراث الثقافي غير المادي مناسبة مهمة تحتفي فيها العديد من دول العالم بتراثها الثقافي غير المادي، وحري بنا نحن السعوديين أن نحتفل ونحتفي بسيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، عرّاب الثقافة والتراث الذي نقل التراث السعودي من المحلية إلى العالمية حين كان أميرًا لمنطقة الرياض، قبل أن تنشئ منظمة اليونسكو اتفاقيتها وتدعو دول العالم إلى الانضمام لتلك الاتفاقية، التي عُرفت باتفاقية 2003 لحماية وصون التراث الثقافي غير المادي في العالم، الذي فقد جزءًا من تراثه جراء الحروب والتهجير القسري وفقدان المكانز البشرية من حملة التراث والرواة والمثقفين.
فكان لرؤيته الثاقبة والعمق الثقافي دورًا كبيرًا في تعريف العالم بالصورة الحضارية والثقافية المشرقة للمملكة، حين رأى -حفظه الله- إقامة معرض «الرياض بين الأمس واليوم»، الذي أصبح بعد ذلك «معرض المملكة العربية السعودية بين الأمس واليوم» في حقبة الثمانينيات الميلادية.
وإذا تأملنا الجهود المبذولة لإقامة المعرض في محطاته التي جابت معظم العواصم والمدن في كل من أوروبا وأمريكا وكندا، وفي جمهورية مصر العربية، ضمن محطات «معرض المملكة بين الأمس واليوم» فقد كانت له أصداء لفتت أنظار العالم للتطور الذي شهدته المملكة في شتى المجالات التنموية والتعليمية والثقافية والنهضة الاقتصادية، من خلال العروض المرئية والمجسمات التي عرّفت العالم بالمملكة.
وكان لاهتمامه -حفظه الله- بالهوية والتراث السعودي حضور بارز في المعارض الدولية، ولو استعرضنا العناصر السعودية المسجلة على قائمة التراث الثقافي غير المادي، سواء المشتركة أو المنفردة، لوجدناها حاضرة قبل أن تسجل على قائمة التراث باليونسكو، وعلى سبيل المثال لا للحصر المجلس الذي سُجل باليونسكو في 2015، كان من بين أهم أركان المعرض المهمة بنقوشه ومقتنياته ورمز الضيافة المتمثل في القهوة العربية التي سُجلت مع المجلس في 2015، إضافة إلى العرضة السّعودية المسجلة أيضًا في 2015، فحين كانت نيويورك إحدى أبرز محطات المعرض كانت العرضة السعودية ضمن الفعاليات التي شهدها مسرح الأمم المتحدة بحضور عدد كبير من المندوبين الدائمين لدول العالم وأبرز الدبلوماسيين والنخب السياسية والإعلاميين.
وإذا استعرضنا جانب الحرف والصناعات، فإن السدو كان له ركن مميز أبدع فيه الحرفيون السعوديون، والجدير بالذكر أن عنصر السدو من العناصر المسجلة المشتركة في 2020 باليونسكو، أما فن القط العسيري، المسجل على قائمةً اليونسكو في 2017 فقد كان له نصيب من أركان المعرض، حيث كان للبيت العسيري ركن حوى المقتنيات والأزياء.
والجدير بالذكر أن الخط العربي الذي سُجل على قائمة التراث غير المادي عام 2021 محاضرًا ضمن أروقة المعرض، وبحضور أهم خطاطي المملكة وفنانيها التشكيليين، الذين كان لهم مشاركة متميزة من خلال لوحاتهم وتفاعلهم بخط أسماء زوار المعرض وطلاب المدارس باللغة العربية.
ونستذكر الفنون الأدائية من مناطق المملكة المختلفة، التي نالت استحسان الزوار وإعجابهم، بما احتوته المعارض بشكل عام، والذي كان له أكبر الأثر في رسم صورة مشرفة للمملكة، هذا الأمر جعل وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية تتحدث عن معارض المملكة وما وصلت إليه من تقدم مضطرد مع الاحتفاظ بالهوية والتراث السعودي.
نجاح تلك الجهود ونقل التراث السعودي من المحليةً إلى العالمية كانت بفضل الله، ثم بجهود سيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه-، ومن بعده، أكمل عرّاب الرؤية سيدي صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد الأمين، ما نهجه والده الملك سلمان بن عبدالعزيز، حين أولى التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي أهمية قصوى، ووضع للمملكة مكانة كبيرة في اللجان الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي، حيث رشحت اللجنة الدولية لحماية التراث الثقافي غير المادي المملكة لتكون عضوًا، اعتبارًا من 2020 عضوًا إلى عام 2024، إضافة إلى ترؤسها المجلس التنفيذي بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، واهتمامه -حفظه الله- بالتراث وعمارة المساجد والقصور التراثية، واهتمامه -أيده الله- بتراث المملكة وهويتها الثقافية وتراثها العمراني وآثارها التي تعود إلى آلاف السنين، كل تلك الجهود أثرت قوائم التراث المادي وغير المادي لمنظمة اليونسكو، وسلطت الضوء على كنوز المملكة وعرّفت العالم بتاريخها الحضاري المشرق، وتراثها الثقافي.