أتفهم جيداً أن ينزل الرئيس المصري، محمد مرسي، إلى قلب الجماهير في ميدان التحرير ولكنني أشعر بشيء ما تجاه الخطب العصماء المطولة. فضاء العالم العربي مليء عبر تاريخه بالخطب الرنانة ولا نريد من زعمائنا الجدد أن يكرروا ذات المناهج العاطفية أمام الشعوب في لحظة جديدة مختلفة. وقبل فخامة الرئيس محمد مرسي نزل لذات الجماهير معمر القذافي وجمال عبدالناصر وعمر البشير ومثلهم نزلت عشرات الأسماء من زعامات التاريخ العربي المعاصر. كل هؤلاء لم يتركوا لنا من الإرث سوى هذه الخطب، وكل هؤلاء قادوا مشروع النهضة العربية المزعومة إلى مجرد حفلات من خطابات الجماهير العامة. ويومها كانت الجماهير لا تترك الزعيم يكمل جملة صحيحة دون الهتاف والتصفيق. نحن نريد من الزعماء أن يؤسسوا لثقافة جديدة مختلفة. نحن أكلنا وشربنا من هذه الخطب حتى أصبحنا في ذيل القائمة الكونية، فلماذا يكرر الزعيم المصري الجديد هذه الإسطوانة الصدئة؟ ولأن شهادتي مجروحة، فلن أقول إن الزعيم السعودي، عبدالله بن عبدالعزيز، يقود اليوم أكبر ورشة بناء على وجه الأرض بأقل الكلمات ولكنني سآخذكم إلى المثال القريب الآخر: بأقل ما يمكن من الموارد، قاد سلطان عمان شعبه بكل هدوء ومثل سرعة المسدس الكاتم للصوت دون أن تكلفه هذه النقلة المدهشة لكل من زار عمان الشقيق خطبة عصماء، ودون أن ينزل للجماهير في لحظات عاطفية. قاد الزعيم العماني هذا التحول بأقل ما يمكن من الأضواء، بل أحياناً بلا قبس من ضوء وأكثر من ذلك دون أن يكون شريكاً عروبياً في خطب القمم العربية. وتقول المصادر التي نشرت بعد هلاك الطاغية الليبي إنه كان يخطب لمئتي ساعة في العام ثم رأينا في نهاية عقوده الأربعة خراج هذه الحناجر الملتهبة. كان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو يسقط من الاعياء في نهايات الخطبة الطويلة بالساعات ومثله زعماء كوريا الشمالية الذين اكتفوا بتسجيل الخطب التي كانت وما زالت تصدر في كتب بعد نهاية النشرة. جماهير اليوم تحتاج إلى زعيم في المكتب لينشغل بما هو أهم. قرار جريء من بضع كلمات خير من خطبة بألف جملة.