في المشهد الإعلامي السريع الخطى اليوم، لم تكن دقة نشر الأخبار أكثر أهمية من أي وقت مضى، ومع ذلك، لا تزال حالات نشر الأخبار المضللة أو الكاذبة تشكل عبئًا على هذه الصناعة. تضمن أحد السيناريوهات المزعجة بشكل خاص نشر إحدى الصحف مقالًا كاملًا استنادًا إلى اقتباسات من قائد مسيرتنا صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان، ثم إضافة سطر واحد في النهاية ينص على أن هذه الاقتباسات غير صحيحة! تثير هذه الممارسة مخاوف أخلاقية كبيرة ولها عواقب بعيدة المدى على الثقة العامة، ونزاهة وسائل الإعلام، والخطاب المجتمعي، لكن هل يهمهم ذلك؟ لا تفرق معهم بشعرة! لماذا؟ لأنهم بغير الكذب والفبركة لا يمكن لهم أن يستمروا، المشكلة أن هناك من يصدقهم ويستخدم حججهم وسرديتاهم على أنها حقائق لا لبس فيها.
عندما تكرس إحدى الصحف مقالًا كاملًا لاقتباسات شخصية عامة، فإنها تشير إلى القراء أن المعلومات المقدمة ليست مؤكدة فحسب، بل إنها أيضًا ضرورية لفهم الأحداث أو القضايا الحالية، ومع ذلك، فإن تأثير هذا التقرير يتقوض بشدة عندما تعترف الصحيفة لاحقًا بعدم الدقة - غالبًا ما تكون مدفونة في سطر واحد في نهاية المقال! وهذا يثير تساؤلات حول المسؤولية الصحفية والدوافع وراء مثل هذه الممارسات في نشر التقارير، لكن المشكلة أن قراءهم لا يتساءلون ولا حتى يفكرون، بل إنهم لا ينتبهون لأي شيء غريب في المتن أو حتى العنوان، يريدون أن يصدقوا وهذا لب المسألة!
إن التداعيات المترتبة على نشر الأخبار الكاذبة عميقة، فالثقة العامة في المؤسسات الإعلامية تتآكل عندما يواجه القراء أخطاء، وخاصة عندما لا يتم تسليط الضوء عليها بشكل بارز، وفي المجتمع الديمقراطي الذي هو هدفهم، يشكل المواطنون المطلعون ضرورة أساسية للحكم الفعّال، وإذا فشلت وسائل الإعلام في تقديم معلومات دقيقة، فإن ذلك يعرض قدرة الجمهور على اتخاذ قرارات مستنيرة للخطر، وهذا خطير بشكل خاص في البيئات المشحونة سياسيًا، حيث يمكن للمعلومات المضللة أن تحرف الرأي العام وتؤثر على القرارات، والصحف المضللة تعلم أهمية ذلك وتستخدم كل الطرق في التضليل والتشويه، حتى يتم على الأقل سحب أكبر قدر من المساعدات المالية والحربية واللوجستية لمصلحة دولة تمتص دماءهم وجهدهم وقوت أولادهم بل حتى مستقبل أبنائهم.
من الناحية الأخلاقية، يقع على عاتق وسائل الإعلام واجب تقديم تقارير دقيقة وعادلة ومتوازنة، وعندما تعتمد المقالة على اقتباسات مشكوك فيها، ويتم تهميش التصحيحات في الحاشية، فإن النشر لا يضلل جمهوره فحسب، بل يقوض جوهر الصحافة! وتثير هذه الممارسة تساؤلات خطيرة حول الرقابة التحريرية والالتزام بالحقيقة، ويُعهد إلى الصحفيين بمسؤولية التحقق من صحة المعلومات التي ينشرونها وضمان نزاهة المعلومات؛ والفشل في القيام بذلك يمكن اعتباره خيانة لهذه الثقة، لكن هل حقًا هكذا صحف تنتهج البحث عن الحقيقة والتقيد بالمسؤولية أمام متابعيهم؟! من يعمل لأجندات سوداء لا تهمه الحقائق أو العدالة لكن المسؤولية والثقة؛ هنا شأن آخر، يعملون بكل ذكاء على تجريف الوعي وشد المتابع وتأكيد ولائه لهم، أي لا مجال لأي غلطة قد تتسبب في خسارة قطيعهم، واللعب بالكلمات والمفاهيم يجب أن يتم بكل مهنية ودقة.
عواقب المقالات المضللة تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد قراءة صحيفة واحدة، فعندما تنتشر المعلومات الكاذبة، فإنها قد تتغلغل في منصات التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى تشويه الخطاب العام! وكثيرًا ما يتبادل الناس المقالات دون قراءتها بالكامل، ما يؤدي إلى الانتشار السريع للمعلومات غير الدقيقة، وهذا يخلق بيئة تزدهر فيها المعلومات المضللة، ما يجعل من الصعب على الأفراد التمييز بين الحقيقة والخيال، ونتيجة لهذا، تتدهور جودة الخطاب العام، ما يؤدي إلى الاستقطاب والصراع بدلًا من المناقشة المستنيرة، وهم يعلمون ذلك جيدًا بل يراهنون عليه حتى لا يتم أي حوار، وإن تم أن خرج البعض عن المسيرة يعرفون كيف يسكتونهم بالمهاجمة والتشويه والترهيب، إنهم جاهزون لكل سيناريو، وهذا بالطبع لجمهورهم في الغرب.
لكن فيما يتعلق بنا فما يريدونه هو أن تصل هذه المعلومات المضللة إلى بيئتنا، ويعتمدون على الكارهين في النشر والتوزيع حتى تصل إلينا، لكن على ما يبدو أن حساباتهم غير دقيقة، فولاء هذا الشعب متين ومتجذر يصعب اختراقه، وإن كانت بعض الأبواق تردد وبعض الأصوات تنعق، فهنالك ألف وألف صوت يعرف كيف يواجه ويعرف كيف يخرسهم ليس باستخدام طرقهم الملتوية بل بالحق والحجة وقوة الإيمان والتأييد الشامل لقادة بلادنا. وهذا ليس عن جهل أو تبعية بل عن معايشة لكل ما يقدمه الوطن لأبناء شعبه من حماية وأمن وأمان وتقدم وازدهار، فنحن لا نقرأ تاريخنا فقط، نحن نعيش حاضرنا لحظة بلحظة، ونشهد أضواء مسيرة تسعى إلى التطور والتفوق والتميز بين الأمم، ومن هنا أقول لمثل هذه الصحف الصفراء «فشلتم في قراءتنا».