لم يمضِ وقت طويل على الفحوصات التي كشفت إدمان أسماك القرش على الكوكايين وبجرعات كبيرة جدًا بالقرب من الشواطئ الأمريكية البرازيلية. وجود هذا المخدر في أنسجة هذه الكائنات البحرية وتغلغلها حتى في الأجنة مؤشر على خطر تلوث الحياة الفطرية والبيئية. وما حداني إلى ذكر دراسات التقصي حول أسماك القرش وتعرضها للكوكايين أنها ليست حالة فريدة من نوعها، تستجلب دهشة المستمعين في كل مرة أتداول الحديث فيها حول أهمية الالتفات إلى البيئة وما تصنعه يد الإنسان فيها من نشر المخلفات في البحار والمحيطات والأنهار، وتلويثها بعدد من الملوثات التي من شأنها أن تغير سلوك هذه الكائنات وتؤثر على صحتها. مما يصعد من ضرورة حماية البيئة والحفاظ على التنوع الحيوي وسلامته وسلامة النظام البيئي الذي يُعد حلقة دائرية متصلة لها تأثير على صحة الإنسان و موارده الغذائية. وأن ما أسفرت عنه الأبحاث في الآونة الآخيرة، من قصص غريبة تتعلق بتعرض الكائنات الكبيرة والمفترسة كأسماك القرش في عمق البحار وبالقرب من السواحل إلى ملوثات كيميائية مخدرة إنما هو إشارة خطيرة على وجود فعلي لانتقال الملوثات الكيميائية بسبب الممارسات البشرية عبر السلسلة الغذائية وتأثيرها على صحة الكائنات الحية، بدءًا من الحيوانات البحرية وصولًا إلى البشر. بالرغم من أن الأمر قد يبدو غريبًا ومتداولًا في الوقت نفسه، فإن دخول المواد الكيميائية والملوثات إلى الأنظمة البيئية يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية لا يمكن التنبؤ بها.

عندما تُلقى النفايات أو المواد الكيميائية في المحيط، مثل بقايا الكوكايين في هذه الحالة، تبدأ تلك المواد بالانتقال عبر السلسلة الغذائية. تأكل الأسماك الصغيرة المواد الملوثة، ثم تأكلها الحيوانات الأكبر مثل أسماك القرش. هذا التراكم التدريجي للملوثات يمكن أن يؤثر على سلوك الحيوانات وصحتها العامة. وقد أظهرت الدراسات أن المواد الكيميائية قد تسبب خللاً في الأنظمة العصبية للحيوانات البحرية، مما يجعلها أكثر عدوانية أو مضطربة وعرضة للتشوه الشكلي والوظيفي.

وهذا الضرر متعد، إذ أن نظام الحياة البحرية متصل بالنظام الغذائي البشري بشكل مباشر. فعندما تستهلك الأسماك الملوثة بالمواد الكيميائية من قبل البشر، يمكن أن تنتقل تلك المواد الضارة إلى جسم الإنسان، ما يؤدي إلى مشاكل صحية مثل التسمم الكيميائي، اضطرابات الجهاز العصبي، أو حتى الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان. وكشفت الكثير من الدراسات الحديثة عن تراكم الملوثات كالألياف الدقيقة والبلاستيكية داخل أنسجة جسم الإنسان المصاب بالسرطان. ولا يوجد مناص من الدائرة المغلقة بين الإنسان والبيئة، إذ أن البيئة التي نعيش فيها ليست فقط مصدر غذائنا، بل هي أيضًا مكان نقضي فيه حياتنا ونعتمد عليها لتنظيم المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي. وما نفعله تجاه الطبيعة يعود إلينا في نهاية المطاف. واستمرار تلويث البيئة سيقودنا إلى نتائج سلبية تتعلق بصحتنا وصحة الأجيال القادمة.


تقودني قصة أسماك القرش والكوكايين إلى موانع الحمل، فأثناء دراستي في إنجلترا كانت إحدى زميلاتي تبحث في تلوث مياه الشرب بمركبات كيميائية صناعية تشبه الاستروجين مجهولة المصدر. والتي بعد البحث والتقصي اتضح أنها مخلفات أدوية موانع الحمل التي يتم استهلاكها بشكل كبير في تلك البلاد، والتي كان لها أثر كبير في انهيار التكاثر وتقليل الخصوبة في الثروة السمكية. ولم يتوقف الأثر عند هذا الحد بل تعدى إلى صحة الإنسان ذكورًا و إناثًا وما يطرأ عليها من حالات مرضية وتغيرات فسيولوجية بوجود دلالات علمية. بلغت كلفة تنقية المياه والتربة من هذه المركبات 30 مليار جنيه إسترليني. واستعراض هذه الحالات هنا لا يلغي وجود أي مخاطر آخرى رصدها الإنسان أو جهلها. ويتعاظم شأن حماية البيئة والمصادر البيئية في المناطق التي تعاني من ندرة المياه ومحدودية الموارد الطبيعية.

ولحماية أنفسنا من هذه الظواهر، من المهم أن نتبنى نهجًا شاملًا للحفاظ على البيئة. يتعين فيه على الحكومات، من خلال الهيئات التشريعية والرقابية المعنية بالبيئة والغذاء والدواء، أن تفرض قوانين صارمة وموحدة، وأن تعمل على تطبيقها بشكل فعال للحد من إلقاء النفايات والملوثات الكيميائية مشتملةً على الأدوية في المياه والبيئة، وتعزيز حماية التنوع البيولوجي. في الوقت ذاته، يجب زيادة الوعي لدى الأفراد حول تأثير سلوكياتهم اليومية في البيئة، وتعزيز الفهم بالعواقب البيئية الناتجة عن التدخل غير المسؤول للإنسان في الطبيعة.

كما ينبغي أن ندرك أن كل خطوة نخطوها نحو تلوث البيئة تعود إلينا بطرق قد لا نتوقعها، بدءًا من التأثيرات في الحياة البيئية وصولًا إلى صحتنا وسلامتنا. وأن جودة بيئتنا وصحتنا ليست وليدة حدث أو وقت معين، إنما هي قضية كل الأوقات والأماكن.