الأوقات القاسية التي عاشتها البشرية في ظل جائحة كورونا 2020، والخوف من فقدان الأحباب وتزايد الحالات، وتعطل الحياة وحركة التجارة، كانت من الظروف المقلقة التي جعلتنا ننتظر ظهور الخبير الطبي كي يبث في نفوسنا الطمأنينة بتأكيد خبر تسطيح المنحى الوبائي، أو انخفاض أعداد الحالات بانتشار مناعة القطيع بين الجموع الغفيرة من البشر. كانت تلك الأوقات الصعبة «فترة ذهبية» للأطباء للظهور في وسائل التواصل والقنوات الفضائية بشكل موسع، حتى أصبحوا نجوما لامعين ينافسون مشاهير التواصل الاجتماعي في أعداد المشاهدات والتفاعل.

بعد زوال الغمة وعودة الحياة إلى طبيعتها، استمر الأطباء في تقديم المحتوى الطبي في وسائل التواصل. الأول يحذرنا من أضرار نقص فيتامين دال، والثاني يكشف سر الوصفة السحرية لخفض معدل السكر التراكمي ليعود للمستويات الطبيعية، وثالث يقدم نصائح عامة للمحافظة على سلامة جهاز القولون بشقيه العصبي والهضمي. أصبحت وسائل التواصل تكتظ بكم هائل من المعلومات الطبية والتحذيرات من نقص كل عنصر موجود في الجدول الدوري للعناصر الكيميائية أو زيادته. فكل عنصر موجود في جسدك يجب أن تحافظ عليه ضمن الإطار الطبيعي، أو ستكون النتائج وخيمة، ما يشكل تهديدا لصحتك على المدى القريب والبعيد، وستضطر حينها للاستعانة بالمكملات الغذائية القادرة على إعادة جسمك لتوازنه الطبيعي، ويقل خطر الإصابة بأمراض القلب، وتزداد قوة جهازك المناعي، وتعيش بصحة جيدة.

من الرائع انتشار الوعي الطبي بين أفراد المجتمع، ولكن مع هذا الكم الهائل من التحذيرات الصحية المنتشرة في كل وسيلة تواصل، النتيجة قد ترتد عكسيا. فما نراه في الواقع قد يؤدي إلى زرع بذور القلق على الصحة، فمع كل هذه النصائح والتحذيرات أصبح لدينا هاجس صحي بأن هناك شيئًا ما ينقصنا، هناك مشكلة خفية تهددنا ولكن لم تظهر أعراضها بعد. خاصة بعد الإحصاءات التي تشير إلى أن غالب أفراد المجتمعات الحديثة يعانون نقصا في فيتامين سي وفيتامين دال، وغالب أفراد المجتمع يعيشون مستوى ما قبل السكري، ولديهم تركيز عال من حمض اليوريك، وحاجة ماسة للكولاجين، وغالب السيدات في منطقة الشرق الأوسط يعانين من نقص فيتامين دال.


الخوف على صحتنا وصحة أطفالنا ورغبتنا الفطرية للبقاء في بر الأمان، قد تضطرنا لتناول أدوية لا نحتاجها للحصول على الطمأنينة وتبديد القلق الملح على الصحة، فكثير من الأطفال تصرف لهم مضادات حيوية لا يحتاجونها بسبب ارتفاع عابر لدرجة الحرارة أو سعال بسيط لا يستدعي الخوف. والفحوصات الدورية الشاملة التي نجريها للتأكد من تركيز كل عنصر وكل معدن في أجسادنا، أقنعتنا باللجوء إلى كل مكمل غذائي وكل منظم دوائي، فالصحة غالية وكلنا نريد البقاء ضمن حدود منطقة الأمان.

أصبحت سوق المكملات الغذائية رائجة عالميا، يرتادها حتى الأصحاء والشباب في ريعان شبابهم والرياضيون في بداية مسيرتهم الرياضية، تطلبها الأم الحنون لأطفالها كي تضمن ألا شيء ينقصهم، ويأخذها الرجال الطاعنون للتنعم بشباب أطول ولضمان أن محركات الجسد تعمل لوقت أطول من عمرها الافتراضي. والفتيات اليافعات بآمالهن للحصول على بشرة طرية تفيض بالنقاء واللمعان والجمال صرن زبونا دائما للمكملات الغذائية.

المحتوى الطبي في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بهذا الكم الهائل من الاستشارات والتحذيرات والنصائح الصحية، ساهم في زرع بذور القلق بالمجتمع، ومعه نشأت ظاهرة «علاج الأصحاء» أو تناول الأصحاء لأدوية ومكملات غذائية لا يحتاجونها. وتناول الطفل الصغير لمضاد حيوي أو مكمل غذائي لا يحتاجهما، فائدته الوحيدة هو تخفيف حدة القلق عند الأم الخائفة على صحة طفلها. فنحن نجري الفحوصات المتكررة بشكل وسواسي، ونتناول أدوية ومكملات لتبديد القلق المسيطر على أذهاننا. ونجري الأشعة تلو الأشعة وفي أوقات متقاربة للتأكد من أن أجسادنا سليمة قبل أن يباغتنا العدو المتربص.