تقول الكاتبة الأمريكية هيلين كيلر: «الحياة إما مغامرة جريئة وإما لا شيء»، وهذا ما حدث بالضبط مع إعادة إعمار مدينة «حرمة» التاريخية، فقد جاء إعادة إعمار هذه المدينة -التي كانت تحت الركام لأكثر من 100 عام- معجزة ومغامرة جريئة وتجربة مثيرة، فالعبقرية الفردية مهما أوتيت من مواهب وطاقات، لا تستطيع أن تنهض بمعزل عن العمل الجماعي.

هنالك شخصيات فريدة جُبلت على الشهامة والمبادرة والإخلاص عن انبعاث تلقائي ونزعات فطرية، وقفوا إلى جانب هذه المدينة التاريخية العريقة، وتحملوا أعباء باهظة من أجل إعمارها، حيث سخّروا إمكاناتهم ووظفوها في سبيل إعادة بناء هذه المدينة وتثبيت كيانها.

يأتي في طليعتهم الوجيه، عبدالله بن عبدالرحمن العقيل، الذي كانت إعادة بناء حرمة التاريخية إحدى أفكاره وإلهاماته وومضاته الذهنية، إذ لم يتوقف عند مجرد الفكرة، بل توجه فورًا إلى بناء أركان المدينة الأساسية، فأعاد بناء الجامع الكبير والمساجد والأسواق والمجالس والمتحف والطرقات وجزء من المنازل.


وللتاريخ، فإن عبدالله العقيل، كان الإرادة والعزيمة والفعل وراء إعادة إعمار مدينة حرمة التاريخية، العقيل شخصية كبيرة تتميز بخصائص الرجال الكبار في المبادرات المجتمعية الكبيرة، والسخاء والحس والنبل الإنساني الرفيع، يشاركه في ذلك الوجيه، حمد الدريس، الذي أعاد بناء بعض المساجد والأسواق، ولا يزال إلى اليوم يضخ الحياة في المدينة، والمهندس أحمد العبدالكريم، الذي أعاد بناء بعض المساجد وشيد البوابات الرئيسية والدراويز، والوجيه خالد بن عبدالمحسن الدريس، والذي كان له حضوره الكبير والفعال، من خلال احتضانه المبادرات، والفعاليات والمهرجانات والعروض التي تقدم في المدينة.. خالد منفتح على المدينة، ويسعى وفق رؤية حضارية واعية، لأن تكون منصة إشعاع حضاري، ومن هنا كان حرصه على استقطاب مختلف الشخصيات لزيارة المدينة، لتكون محفلًا اجتماعيًا وحضاريًا فريدًا، تضاف إلى ذلك الشخصيات التي كانت وراء إحياء بيوتهم القديمة، تعاملت تلك الشخصيات الكريمة، مع التحديات والمصاعب بثبات وبسالة وعزيمة وشجاعة وإخلاص، فنهضوا بهذا المشروع التاريخي الكبير؛ ولذلك فإن إعادة إعمار مدينة حرمة التاريخية ليست مجرد فكرة إعلامية، فالإعلام ومشتقاته لا يشيد مدنًا، ولكنها كانت مبادرات حضارية واعية، وراءها الإخلاص والشهامة والوعي والمال.

مدينة حرمة التاريخية، عبر مراحلها الزمنية، تمتلك إرثًا حضاريًا فريدًا وتاريخًا عريقًا، شكل الأساس الحقيقي لروح المدينة، باعتبارها معقل الملهمين والنابهين، وحصن التقاليد الاجتماعية، والمدنيات الراقية، والكنز الأثري الحضاري العريق.

قدمت المدينة طوال تاريخها العريق نهجًا حضاريًا وثقافيًا رصينًا، تشكل عبر خبرات وتجارب وتأملات، فكانت هذه المدينة واحدة من الإنجازات الحضارية الكبرى على مستوى إقليم سدير.

واليوم، مدينة حرمة التاريخية طراز خاص من البهاء والجمال والنضارة، أقرب ما تكون إلى الحديقة الكبرى في فنها المعماري التراثي الأنيق وفسيحها الأخضر وحقولها. فهذه المدينة التاريخية ذات جاذبية خاصة تثير التأمل، مدينة بمثابة الحلم، أتاحت للحياة أن تتدفق من جديد، وللزمن أن يتحرك، ولكل فكرة وحركة وحدث أن تأخذ مداها في التطلع لما هو أحدث منها في تفاعل خلاق.

لقد أخذت المدينة شكلًا جديدًا مدهشًا، كمدينة حضارية زاهية تقدم نفسها لجيل اليوم منارة حضارية تتجه إليها الأنظار، متحدثة بصوتها وصمتها ومذاقها وطعمها ولونها ونكهتها، كيف تكون المدن رموزًا ومعالم وعوالم وأناسًا وأشياءً وقيمًا، فالتنوع الثقافي حاضر في هذه المدينة التاريخية، حيث اجتاحت هذه المدينة حركة تراثية وثقافية وحضارية وفنية. فالثقافة الاحتفائية والمبادرات المجتمعية جزء من تقاليد هذه المدينة. فحرمة مدينة مضيافة وكريمة، ترى في كل مكان مناسبات التكريم والاحتفالات الاجتماعية والمجالس المفتوحة والديوانيات العريقة، والتي هي تقليد قديم وعريق ومن مكونات الحياة الاجتماعية في هذه المدينة التاريخية. وكانت مشاهد الاحتفال بالأعياد وبيوم التأسيس واليوم الوطني والمناسبات الثقافية شاهدًا على التوجه الحضاري والوطني لهذه المدينة، ما جعل منها معقلًا للثقافة والتراث والحضارة.

فالمهرجانات والاحتفالات والاحتفاءات والاستضافات والفعاليات والبرامج الثقافية والندوات والمحاضرات والأعياد والأيام الوطنية، أصبحت مبادرات حضارية تقع على عاتق البيوت والدور والمنازل التي أُعيد إحياؤها، كمبادرات من تلك البيوت التاريخية كبيت الشيخ محمد بن سليمان الزازان التاريخي، والذي تمت إعادة بنائه مؤخرًا، وأحيا مناسبات اليوم الوطني ويوم التأسيس. فقد تأسس هذا البيت على نهج ثقافي وحضاري وإنساني، تمازج فيه الحاضر بالماضي في طابع فريد شكلته مناسبات حرمة التاريخية، حيث تقام فيه المناسبات الثقافية والمهرجانات الوطنية والمحاضرات وحلقات النقاش والندوات وورش العمل والحلقات العلمية والتدريبية وتكريم المواهب. وهو صرح ثقافي وعلمي ومعرفي، يقوم على منهجية علمية ورؤية معرفية، يهدف إلى نشر العلم والمعرفة والثقافة بأسلوب علمي وموضوعي.

فبيت الزازان التاريخي يضم مكتبة متنوعة بمختلف الثقافات، وذلك لإثراء الفكر والمعرفة، وهو منفتح ثقافيًا على مستوى إقليم سدير ووفق رؤية حضارية وأفق معرفي، وفي إطار منهجية علمية تقوم على التوعية والتثقيف واحتضان الفعاليات الثقافية. فالبيت شاهد تاريخي على هوية وتاريخ وثقافة المدينة، وهذا في بُعده الحضاري يشكل فلسفة استدامة ثقافة وتراث المدينة.

وبيت الشيخ محمد بن عبدالكريم التركي، والذي يتمتع بحضور كبير في المشاركات المجتمعية والفعاليات الثقافية والمهرجانات الوطنية واستضافة زوار وضيوف مدينة حرمة التاريخية، صرح اجتماعي فريد يشكل مرتكزًا حضاريًا في المدينة، وبيت عبدالعزيز السلطان المعجل، والذي يمثل ملتقى اجتماعيا له حضوره الكبير في المشاركات المجتمعية والوطنية، وهو نمط فريد في الاحتفاء والكرم.

وبيت تركي بن عبدالمحسن العسعوس والذي له حضوره البارز في المدينة.

ولعل من ينظر اليوم إلى مدينة حرمة التاريخية، يدرك مدى النقلة النوعية التي حدثت للمدينة، والتي أخذت شكلًا جديدًا، وتحولًا فريدًا، واحتلت مكانة رفيعة بين مدن إقليم سدير، وهنا أود أن أشيد بدور رئيس مركز حرمة الوجيه سعود بن عبدالعزيز الماضي، على مبادراته في المدينة، ودور رئيس البلدية يزيد بن عبدالله الماضي، والأدوار والمواقف التي نهض بها عبدالكريم بن محمد التركي، والذي كان ملازمًا لمدينة حرمة التاريخية منذ البدايات الأولى، وكان له دور بارز في المتابعة والتحفيز والإقناع، إذ لم يكن مجرد إنسان عادي في هذه المدينة، بل كان مشاركًا حقيقيًا في دفع هذه المدينة إلى الأمام، سواء من خلال جهده الكبير في تحفيز الناس لإعادة بناء بيوتهم، أو من خلال حضوره الواسع في المبادرات والمناسبات والمواقف، حيث يتمتع بكفاءة عالية في المتابعة والإقناع، ويتحرك في عدة جهات وجبهات، عايش التحولات التي مرت بها المدينة وكان دائمًا في قلب الحدث.