الآن أصبح الدكتور محمد مرسي رئيسا متوجا لمصر، في تجربة جديدة للغاية وتفتح كل أبواب الأسئلة والترقب والانتظار أيضا.

بكل ثقة اختار الشارع المصري رئيسه، بل وبكل ثقة أيضا انقسم الشارع المصري حول مرشحين لم يكونا في نظر الكثيرين ليمثلا الخيار الأفضل، لكن مسار العملية الانتخابية أوصل إلى مرشح قادم من النظام السابق ومرشح قادم من الجماعة الإسلامية التي ظلت سؤالا مفتوحا في مصر وخصما استطاعت الحكومات المصرية المتتالية أن تبالغ في عزلها، وفي التنكيل بها أحيانا.

إنما لماذا لم تتوار الجماعة دورا وحضورا خلف مرشحها محمد مرسي؟ لقد جاء مرسي كمرشح بديل بعد أن تعذر ترشيح المهندس ورجل الأعمال خيرت الشاطر، وهو ما جعل كثيرا من المحللين المصريين يرون في ذلك تجسيدا لمعنى أن الترشيح كان للجماعة بغض النظر عمن يمثلها.

كل ذلك الآن أصبح حديثا من الماضي، فالسلطة والرئاسة الآن في يد الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، وسط خلافات دستورية من الواضح أنها في الطريق للوصول إلى صيغة تراض وقبول من مختلف الأطراف.

ثمة مبالغة في الخوف على الحريات، ذلك أن مصر أعمق وأكثر ضخامة من أن يستجيب الشارع وتستجيب الحياة لرؤية تحاول السيطرة على سلوكيات الناس وتسعى لتوجيهها، والملفات التي على طاولة الرئيس الآن أكثر تعقيدا ربما مما كان يتوقع هو، ومما كانت تتوقع الجماعة أيضا. لكن مختلف القوى السياسية المصرية ستظل تنتظر دائما أن يصدر عن الرئيس ما يشير إلى تراجع ارتباطه بالجماعة وضعف تأثيرها على مجريات إدارة الدولة.

أمام محمد مرسي فرصة تاريخية، تتمثل في أن يستفيد من تجربة حركة النهضة الإسلامية في تونس، فحين فازت الحركة في الانتخابات أدركت أنها للتو بدأت مرحلتها الانتقالية، وأن تلك المرحلة بحاجة للتوافق أكثر من حاجتها للأغلبية، فأسرعت لصناعة تكتلات من جميع القوى السياسية التونسية ورفضت الانجرار خلف كثير من الأدبيات السابقة للحركة على مستوى الشعارات وعلى مستوى التوجهات السياسية وقضايا الحريات العامة.

يؤكد راشد الغنوشي أن الحركة رفضت فكرة القول بتطبيق الشريعة، واستبدلتها بعبارة: تطبيق الإسلام، معللة ذلك بأن الشريعة متعددة ومتنوعة بينما فكرة تطبيق الإسلام تستوعب ذلك التنوع وتصبح أشمل منه، وقد ترجمت الجماعة ذلك إلى حالة التوافق السياسي التي استطاعت إيجادها في الحياة السياسية التونسية. ثمة فرق واسع هنا، فحركة النهضة لم تمارس أية مناورات سياسية وكانت واضحة منذ البداية.

سوف يمثل الاقتصاد أبرز الملفات الضاغطة على الرئيس المصري الجديد، وبالتأكيد فلن يستطيع في أربع سنوات تغيير الواقع المصري بالكامل، لكن ثمة حزمة من الإجراءات التي يمكن أن تمثل بداية لمشروع حقيقي للتغيير، تلك المشروعات إذا ما وجدها الشارع المصري حقيقية أمامه فستمثل الدافع الأبرز لإعادة انتخاب محمد مرسي أو غيره من المرشحين الإسلاميين.

أما إذا اتجه الرئيس للانشغال بالملفات الخارجية وأدخل مصر في مواجهات سياسية مع القوى العالمية، وإذا ما فكر في الانشغال بأي جانب أممي فسيؤثر ذلك حتما على النجاح في الملفات الداخلية، خاصة أن مصر الآن مستيقظة للغاية وحالة الترصد التي سيقابل بها أداء الرئاسة الجديدة واسعة جدا لدى مختلف التيارات والقوى المصرية. والتي ستظهر بوادرها مع إعلان تشكيل الحكومة الجديدة التي من الواجب أن تبتعد غالبا عن مظلة الجماعة إلى المظلة الأرحب وهي مظلة الوطن.

في الواقع إنه ليس من اللائق ولا المناسب أن يظل الرئيس المصري إلى الآن منتسبا لجماعة لا تحظى بأي وضع قانوني، وهو ما كان حين أعلنت الجماعة إلغاء عضوية الرئيس مرسي، فجماعة الإخوان المسلمين ووفق النظام المصري تعد جماعة غير شرعية ولا نظامية، وهي بحاجة إلى تصحيح وضع نظامها، ولذا فمن الأنسب إذا ما أراد الدكتور مرسي أن يعود منتسبا للجماعة أن يوعز لها بتصحيح وضعها القانوني، هذا إذا لم يحكم القضاء بحلها.

مرسي إذن، رئيس لكل المصريين، وما جاء في خطاباته إلى الآن يحمل كثيرا من الطمأنينة، ولقد حاول أن يوازن بين الميدان وبين الموقف الدستوري حتى فيما يتعلق بأداء القسم، فقد قدم مرسي للميدان نسخة إعلامية وجماهيرية للقسم، ليؤديه بشكل دستوري لاحقا.

إننا أمام رئيس لمصر، لديه كل العوامل التي ستمكنه من النجاح، ولديه كثير من الالتفاف والقبول الذي أبدته القوى السياسية، لكن عليه أن يدرك، وعلى الجماعة أيضا أن تدرك، إنه فخامة الرئيس وليس فخامة الشيخ.