شكا عددٌ من المواطنين في مختلف مناطق المملكة من وضع أحياء عدة غارقة في الظلام؛ تغيب أعمدة الإنارة عن شوارعها، محذرين من إمكانية استغلال بعض أصحاب النفوس الضعيفة لذلك الظلام لممارسة أي نوع من أنواع الفساد بما فيها السرقات، والحوادث، والترويج للممنوعات، مع ما يثيره هذا الظلام من مخاوف وقلق لا ينتهي بالنسبة لقاطني تلك الأحياء.

آمال معلقة

أبان مواطنون يسكنون في أحياء بلا إنارة أن مطالباتهم ومناشداتهم لحل هذه المشكلة انتهت إلى لا شيء، على الرغم من أن الأبواب مفتوحة لتلقي الشكاوى والمطالبات، والتعامل معها تعاملاً رسمياً بطريقة المعاملات المرقمة التي تعكس في نفس المواطن اطمئناناً مؤقتاً، مفاده أنه سيتم حل هذه المشكلة قريباً، أو أن حل مشكلته في صيانة أو تركيب أعمدة إنارة الشوارع تدخل ضمناً في خطة تطوير مستقبلية، والنتيجة آمالٌ معلقة بأن يرى شارع الحي المعني النور قريباً، حيث تمر السنوات واحدة إثر أخرى والأحياء باقية في ظلمتها.


أعمدة عمياء

مشكلة الأحياء المظلمة والأعمدة العمياء ليست جديدة، بل هي مشكلة حاضرة ضمن مشاكل البلديات والأمانات التي كانت وما زالت تستقبل مطالبات المواطنين بهذا الشأن

على الرغم من التطور الكبير والعمل المسؤول والجاد الذي توليه الجهات المعنية لضمان سلامة الطرق وصيانتها وظهورها بمظهر حضاري يخدم الوطن والمواطنين.

جهودٌ كبيرة ترجمتها لغة الأرقام والإحصاءات التي تم نشرها والإعلان عنها بشفافية ووضوح في بيانات عدد من أمانات المناطق، وتقارير برامج جودة الحياة، ومع ذلك ما تزال كواليس البعض القليل جدا من أحياء المدن والقرى تحفل بعدد من الملاحظات التي تسجل عليها، وتجعل من الضرورة استمرارية المراقبة ومتابعة المشاريع، والبحث المتواصل للوقوف على مثل هذه المشكلات والمبادرة إلى حلها دون الحاجة إلى انتظار أن يشتكي المواطنون منها، ودون الحاجة إلى مطالبتها بإيجاد الحلول لها.

مشكلة شاملة

هناك مناشدات بالنظر في مشكلة انقطاع التيار الكهربائي عن أعمدة الإنارة، أو توقف بعض هذه الأعمدة عن العمل لفترات طويلة، وحاجتها وحاجة غيرها إلى الصيانة المستمرة أو الاستبدال في حال التلف متوصلة وملحة.

وفي رصد سريع على منصة x تجد كثيرا من التعليقات التي تصب في هذا التوجه، والتي تركز على المطالبات والمناشدات بأسماء صريحة، وبصور تثبت حقائق هذه المطالبات، حتى أن بعضها تم تذييله بهشتاقات رسمية لأمانات المناطق المعنية أو أمين المنطقة ذاتها من أجل الوقوف على المشكلة.

متى نرى النور؟

«الوطن» بدورها، تلقت بعض الشكاوى بهذا الشأن وهي لم تقتصر على مدينة بعينها، فهناك سكان من أحياء المنطقة الشرقية، وسكان من محافظة خميس مشيط لجأوا إلى «الوطن» لتساعد في تسليط الضوء على مشكلتهم، ورفع مناشداتهم إلى المعنيين في الجهات المعنية، بعد محاولات عدة للحصول على استجابة لحل ما اعتبره البعض «أزمة» تحت عنوان «متى نرى النور».

وتفتح هذه الشكاوى أفقًا أبعد لمتابعة أحوال مناطق ومحافظات أخرى من الوارد جداً أن سكانها لم يجدوا لأصواتهم طريقاً يكشف عن مخاوفهم وقلقهم مما قد ينتج عنه استمرار ظلمة الأحياء التي يسكنونها.

عامُ بعد عام

يقول سعيد محمد القحطاني، وهو من سكان خميس مشيط «منذ أكثر من 5 سنوات وحي الإسكان بمحافظة خميس مشيط غارق في الظلام، ما بين أعمدة إنارة موجودة مع وقف التنفيذ، وشوارع لا توجد بها أعمدة من الأساس، وهو ما عرضنا إلى خطر السرقات المتواصلة، بعد أن تكشف حال الحي لمجموعة من السارقين الذين تناهبوا حلال السكان ما بين فترة وأخرى دون أي رادع لهم».

واستدرك «لا غرابة ألا يردع هؤلاء رادع، فالحي الغارق في ظلامه مع عدم وجود كاميرات مراقبة في شوارعه لا يساعد الجهات الأمنية على الوصول إلى الجناة».

حملة سرقات

يكمل القحطاني «نعاني حملة سرقات على كيابل الأعمدة، وتحديداً في شارع الثمانين من حي الإسكان، ولا يقتصر الأمر على غياب الإنارة، بل ساعد ظلام الحي الجناة في السطو حتى على أغطية الصرف الصحي، فضلاً عن مواد البناء للبيوت قيد الإنشاء، وذلك في حي المنصورة في مخطط واحة خميس مشيط، وهو ما جعلنا نستنفر لرفع شكوانا بضرورة تشغيل الإضاءة في أعمدة الشوارع ليلاً إيقاف نشاط هؤلاء السارقين».

ولفت إلى أنه رفع مطالبته إلى بلدية المحافظة، وهي بدورها وجهت الأمر إلى الأمانة، ومنها أبلغوني بأن الشكوى تحت نظر وزارة الإسكان، وقال «حتى الآن لم أتلق رداً شافياً بموعد حل المشكلة، ولم تباشر أي جهة المتابعة».

وكانت «الوطن» قد اطلعت على تقرير المعاملة التي رفعها القحطاني، والتي سجلت في الوارد بتاريخ 25 /6/ 1445 للهجرة، وقد ورد فيها أنه قد تم تصدير المعاملة بتاريخ 11/1 /1446 للهجرة إلى مدير عام الإدارة العامة للمشاريع لشؤون البلديات بأمانة عسير، بعد تأشيرها من رئاسة بلدية خميس مشيط، وتوقيعها من رئيس بلدية محافظة خميس مشيط بتاريخ 10/1/1446 للهجرة.

الإحالة إلى الأمانة

حاولت «الوطن» التواصل مع أحد المصادر المسؤولة في وزارة الإسكان، والذي أجاب بدوره أن «ما يخص سفلتة وإنارة الطرق وتحسين جودتها فإنه يدخل في صميم عمل الأمانات».

وأضاف «عليكم التوجه إلى كل أمانة منطقة على حدة للتوصل إلى نتيجة مرضية بعد سماع الرد منها وإبلاغها بمطالبة المواطن وموقع الخلل المقصود».

ما خفي كان أعظم

من جانب آخر، وتحديدا من المنطقة الشرقية وفي قرية أبو معن في شمال محافظة القطيف، أكد الدكتور سعيد محسن القحطاني أن قريته تعاني من مشكلات خدمية عدة أبرزها سفلتة وإنارة الطرق.

ولفت إلى أن وجهاء القرية الصغيرة تناوبوا على فترات لتقديم شكاواهم إلى الأمانة مطالبين بتطوير القرية الزراعية التي تسبب عدم وجود إنارة في أغلب شوارعها في إثارة قلق مستمر في نفوس ساكنيها سواء من مرتادي تلك الشوارع من أطفال وكبار في السن أو حتى نساء، أو ممن يذهبون لأداء الصلاة في المساجد القريبة، وحتى من قائدي المركبات التي كثيراً ما تتسبب لهم تلك الظلمة في رفع نسبة وقوع الحوادث المرورية التي تضر الآخرين أو على الأقل تضر المركبات وقائديها، فضلاً عن الخوف مما قد يتسبب به عدم وجود إنارة في الشوارع من حوادث أخرى؛ حيث إن بعض الأطفال يخرجون للشوارع للعب في الأحياء مساءً أمام البيوت مما يعرض حياتهم للخطر.

أحياء قديمة وجديدة

إذا كانت أحياء قرية أبو معن تعد أحياء قديمة، فهناك أحياء جديدة وحديثة لا تخلو بدورها من ذات المشكلة، وعن ذلك استرجع أحمد القاسم من ساكني حي الضاحية بالدمام بدايات انتقاله للحي الجديد في محافظة الضاحية البيضاء، حيث بدت الشوارع مظلمة حينها، إذ لم تصل شبكة الكهرباء لجميع أعمدة الإنارة.

وروى أنه «حدث أن وجدت أمام منزلي شاباً منزوياً في الظلام، ويبدو من هيئته أنه غير واعٍ لما حوله، ما جعلني أُسرع إلى الاتصال بالأمن والإبلاغ عنه خوفاً من أن أُجازف بالسكوت عنه وتحدث أي تعديات».

هذا الموقف دفع القاسم إلى تركيب كاميرات مراقبة لمنزله من باب الاطمئنان والحذر من أي تجاوزات وتعديات بما فيها السرقة.

ونقل القاسم عن بعض جيرانه من ساكني الحي أنهم يرون الظلام وكراً للفئة الضالة من المتعاطين للمخدرات أو المنحرفين والسارقين، ونوه إلى أن الوضع استقر أكثر وهدأت النفوس بعد أن عملت البلديات والأمانة على استكمال المشروع من أرصفة وإنارة، ورأى أن «تركيب كاميرات المراقبة بات ضرورة من ضروريات الحياة بعد أن شهدنا مواقف مخيفة من هذا النوع».

الكاميرات ضرورة أم تعدٍ

هذا التنويه الهام إلى أهمية تركيب كاميرات مراقبة وضع المواطنين أمام آراء تباينت بين من يرى في تلك الكاميرات ضرورة كما هو حال القاسم، وبين من يراها تعدياً على الخصوصيات لمرتادي الشارع أو ساكني الحي.

ودفع هذا التباين إلى أن ترى فئة ثالثة أن المسؤولية أمنية، وأن يترك الأمر للأمن بحيث يتم تركيب كاميرات في أماكن محددة ومختلفة على أعمدة الإنارة في الشوارع بحيث يمكن بها عمل مسح شامل للحي ضماناً لعدم حدوث أي مشكلات أو سرقات.

شكاوى افتراضية

كانت «الوطن» قد رصدت شكاوى مواطنين وجهت إلى أمانات بعض المناطق وذلك على منصة x وذلك خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي، ومنهم عبدالإله القحطاني الذي علق موجهاً مطالبته إلى أمين منطقة عسير بتاريخ 27 سبتمبر الماضي وذكر فيها «تحتاج قريتي حوالي 20 عمود إنارة بسبب خطورتها ليلاً حيث يحدها من 3 جهات أودية وجبال وتكمن الخطورة في الثعابين والكلاب عند الذهاب للمساجد من الأطفال وكبار السن، ويوجد حوالي 40 منزلاً في سراة عبيدة، العسران، آل أبو عريج».

وكتب محمد من العاصمة الرياض بتاريخ 25 سبتمبر الماضي «للأسف وعلى الرغم ما توليه الحكومة من جهود وإقامة مشاريع بمئات الملايين بل بالمليارات.. مثل مشروع إنارة أحياء ظهرة لبن، إلا أننا نصطدم بأن بعض الأعمدة لا تعمل لأكثر من يومين إلى 3 أيام أسبوعياً وبشكل متكرر، ونأمل إيجاد حل سريع» موجهاً بذلك حديثه إلى أمانة منطقة الرياض.

وعلق آخر بتاريخ 27 سبتمبر بتغريدة مشابهة بأن طريق الملك فيصل في سدوان بلسمر بلا إنارة منذ أكثر من شهرين، والبلاغات تقفل من البلدية بلا تجاوب، مناشداً أمين منطقة عسير بحل المشكلة سريعاً مع الشكر مرفقاً تعليقه بصور توضح حقيقة هذا الظلام والأعمدة العمياء.

جهود متواصلة

بدورها، كانت هيئة النقل والخدمات اللوجستية قد نشرت في تقريرها للنصف الأول من عام 2024 أنه وبسبب إضاءة الشوارع بأعمدة مزودة بالطاقة الشمسية فقد انخفضت نسبة الوفيات في التقاطعات إلى 92 %.

أما أمانة المنطقة الشرقية فقد لفتت في تقريرها عن أعمال تحسين المشهد الحضاري المنشور في نهاية أغسطس الماضي عن إصلاحها لـ900 من أعمدة الإنارة المتهالكة.

بينما أوضحت أمانة منطقة عسير أنها تولت 831 مشروعاً خلال 2023 /2024 منها 544 مشروعا في صيانة الطرق والسفلتة.

وفي آخر بيان لبلدية خميس مشيط أعلنت عن مواصلة إدارة المشاريع لأعمالها في تنفيذ مشاريع الإنارة في المخططات ومنها مخطط الجيش.

وفي بيان آخر لأمانة منطقة عسير ذكرت أن أمين منطقة عسير التقى نهاية الشهر الماضي ببلديات قطاع خميس مشيط واطلع على تقارير مؤشرات الأداء، مشدداً على أهمية مضاعفة الجهود، كما التقى بعدد من أهالي خميس مشيط؛ حيث أكد لهم أهمية التواصل المستمر مع المجتمع، ورصد الاحتياج ومتابعة مستوى الخدمات.

وكانت وزارة البلديات والإسكان قد أطلقت أخيرا خدمة المساعد الذكي عبر منصتها وموقعها الرسمي لتعزيز التفاعل مع المستفيدين على مدار الساعة دون التدخل البشري بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.

وفي تقرير لبرنامج جودة الحياة للعام 2023 كشفت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان أن نسبة رضا المستفيدين عن جودة الطرق داخل المدن بلغت 55 % من القيمة المستهدفة 51 % بنسبة تحقيق للمؤشر بلغت 108 %.

ولفتت الوزارة إلى أنه «بلغ إجمالي المنجز من أعمدة الإنارة بأنواعها أكثر من 146 ألف عمود إنارة، بنمو 5.33 % عن العام السابق».

ـ أحياء تعاني من غياب إنارة الشوارع أو تعطلها

ـ ساكنو تلك الأحياء يطالبون بمعالجة هذه المشكلة لمخاطرها الشديدة

ـ بعض المطالبات تركز على تركيب كاميرات مراقبة لمنع أي تجاوزات

ـ معارضون لتركيب الكاميرات يرون فيها اعتداء على حرية ساكني الحي

55 % نسبة رضا المستفيدين عن جودة الطرق داخل المدن

146 ألف عمود إنارة أنجزتها وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان في العام 2023

5.33 % نسبة النمو في إنجاز أعمدة الإنارة خلال 2023 مقارنة بـ2022