حضر «خير الإسلام»، البنجلاديشي الجنسية، للعمل في المملكة سائق شاحنة لدى شركة مقاولات كبرى لديها أكثر من 10 آلاف عامل، ولسوء فهم بينه وبين مدير المشروع - من جنسية عربية - تم تخويف «خير الإسلام» بأنه إن حضر لمقر الشركة للمطالبة برواتبه أو سكنه، أو على الأقل دفع تذاكره للعودة لأسرته، فسيبلغون الجهات الأمنية لاحتجازه وترحيله، كونه قد سجل بلاغ هروب كيدي ضده. وبعد 10 أشهر من حياة البؤس التي عاشها، وجدته في أثناء حلاقتي عند بنجلاديشي يعمل في السعودية منذ 30 عاما، وسألت الحلاق عن سبب ملابس وحالة «خير الإسلام» الرثة، فأبلغني أنه يعمل لدى شركة لا يمكن لأحد من عمالتها التقدم بشكوى ضدهم، وأن من يتقدم ضدهم بشكوى يتهمونه بالسرقة أو غيرها، فسألت الحلاق: هل تعرف «ناجز»؟ فقال: لا.

أخذت إقامة «خير الإسلام»، ورفعت له شكوى أمام مكتب العمل، وفتحت له جلستي تسوية ودية عن بُعد في أسبوع واحد، ولم يحضر أحد من الشركة، فرفعت القضية إلى دائرة القضايا العمالية بالمحكمة، ووصلت «خير الإسلام» رسالة عن طريق «ناجز» بموعد الجلسة عن بُعد خلال أقل من 15 يوما من قبول الدعوى لدى المحكمة. وفي الجلسة الأولى، أحضرت وزارة العدل مترجما عن بُعد باللغة البنغالية، وتأكد قاضي المحكمة إلكترونيا من جميع ما يدعيه «خير الإسلام» من عدم تسلمه رواتبه، وانتسابه لتلك الشركة وغيرها. ولكونها من القضايا اليسيرة، فحكم له في الجلسة الأولى بحكم قطعي بصرف رواتبه وتذاكره، وإصدار تأشيرة خروج نظامية له، بمعنى أن يلغى بلاغ الهروب الكيدي. أحيل الصك في اليوم نفسه لمحكمة التنفيذ، وخلال 5 أيام صدر ضد الشركة قرار المادة 46 من نظام التنفيذ، وشلت حركة الشركة تماما، حتى إن الممثل القانوني لها تواصل معي، وأبلغني أن الشركة تعثرت في صفقة بيع 150 شاحنة لديها بسبب القرار 46، ودفعت الشركة ضعف المبلغ المحكوم به فقط، لتسريع إنهاء بلاغ الهروب، وإصدار تأشيرة الخروج النهائي، وغادر «خير الإسلام» المملكة بعد أن حصل على كامل حقوقه، دون أن يدخل إلى مكتب العمل أو أي محكمة، بل وهو جالس في غرفته، وبعث لي مقطع فيديو لأول مرة يحضن طفله الذي ولد في أثناء تسول والده عند الإشارات، كونه لا يعرف «ناجز».

و«ناجز» لمن يتعمق بتفاصيله باختصار هو أحد أفضل الأنظمة حول العالم، الذي يمثل المعنى الحقيقي للعدالة الاجتماعية، فلا فرق عنده بين وزير أو غفير، والعدالة الاجتماعية كلما ازدادت في أي مجتمع باختصار تُنهي الجريمة والعنف والاحتيال، وغيرها.


«ناجز» هو أحد نتاج الكم المهول من التغييرات الجذرية التي حدثت لوزارة العدل منذ أن أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - أمره الملكي بتعيين وليد الصمعاني وزيرا للعدل، فتغيرت منظومة القضاء بأكملها، وتعدل نظام المرافعات الشرعية، ليسمح للمتقاضين بالترافع من جديد أمام محاكم الاستئناف، ولا يكتفى بالترافع أمام محكمة الدرجة الأولى كما كان سابقا، وألغيت الدوائر الفردية في المحاكم الجزائية، وأصبحت تلك القضايا تُنظر من قاضيين فأكثر، وأصبحت جميع الجلسات القضائية الحضورية والمرئية عن بُعد موثقة بالصوت والصورة، حفظا لحق القاضي والمتقاضي، وللتأكد من خلال هذا التوثيق أن القضية قد نُظرت حسب الأنظمة، بما يحقق أعلى معايير العدالة، ويحق لأي كان ولديه قضية أمام أي محكمة في المملكة أن يرفع شكوى للتفتيش القضائي في المجلس الأعلى للقضاء، وهو الجهة المسؤولة عن الرقابة على أداء القضاة، بمن فيهم رؤساء محاكم الدرجة الأولى والاستئناف.

وللحد من الاجتهادات الفردية للقضاة، وتقليل التفاوت في الأحكام القضائية، صدرت أنظمة كبرى تم العمل على إعداد بعضها سنوات عدة، لضخامة موادها وتعددها، أبرزها أنظمة «المعاملات المدنية، والأحوال الشخصية، والإثبات، والاستئناف، والشركات»، بالإضافة إلى تطوير وتعديل نظامي المرافعات الشرعية والتنفيذ، وغيرهما.

ما أريد قوله إن فيلم «حياة الماعز» بالطبع ممول ممن اغتاظوا من النجاحات التي تحققها حكومتنا الرشيدة في مختلف مجالات الحياة، فحاولوا إظهار أن العمالة لدينا تعامل كالماعز، فهل لديهم في دولهم - أيا كانت - أنظمة كـ«ناجز» أو حتى ربع «ناجز» أم أنهم ممن يعاملون في ديارهم بطبقية، ولا وجود لأي عدالة اجتماعية هناك!؟ أقول باختصار لمن وقف خلف هذا الفيلم المشوه: «يلجمكم ناجز يا حياة الماعز».