حينما انطلقت رؤية المملكة 2030 قبل عدة سنوات كانت تهدف بشكل رئيس إلى تنويع مصادر الدخل عن طريق انتقال الوطن والمواطنين من الاعتماد الكلي على النفط إلى خيارات وفرص أخرى تعزز الحياة الكريمة، وهي وخيارات متعددة، كل جهات وطننا الكبير غنية بها، من ثروات معدنية، أو صناعية، أو زراعية، أو فرص استثمار عالمية، أو استقطاب لرؤوس الأموال، أو استغلال للعمق الحضاري والثقافي والفني الذي تمتلكه مختلف المناطق والتنوع الإنساني والفكري الهائل بين المواطنين.

مع كل هذا التعدد والتنوع فيما يُمكن للإنسان أن يستخدمه لتنويع مصادر الدخل، وتغيير نمط الحياة إلا أن الرؤية وعرابها سمو ولي العهد محمد بن سلمان لم تغفل أهم المصادر التي يمكن أن يعول عليها بشكل مطلق، ويمكن الاستثمار بها دون حدود، والعناية بها دون تردد لأن الفائدة ستتحقق معها، والمنفعة ستعم، والمردود سيكون إيجابيا ومضاعفا، وهو رأس المال البشري، فالإنسان هو المستهدف الأول من كل ما تقوم به هذه الرؤية، وهو المخرج والمنتج النهائي الذي تراهن عليه وبه في كل تطلعاتها، وكل تحدياتها. ولن يكون هذا الإنسان سوى فرد من كل أسرة تنتشر في أرجاء هذه الأرض الغالية، وتهتم به، ويعنيها كل تقدم وتطور تعمل عليه قيادتها، ومجموع هؤلاء الأفراد مجتمع متكامل حيوي جعلت منه الرؤية أحد أهم محاورها إلى جانب الوطن الطموح والاقتصاد المُزهر.

وحتى يكون المجتمع حيويا بشكل نافع؛ ينبغي أن يكون مرتبطا ومتفاعلا مع عدد من الأسس والمعايير الهامة، فيكون مجتمعا آمناَ تسود به العدالة الاجتماعية والتشريعية التي ضمنتها الرؤية بتطبيق الأنظمة والقوانين، مجتمع متماسك من خلال القيم الإسلامية والوطنية السامية والأهداف الإنسانية النبيلة، مجتمع سعيد يملك الحق في الحصول على جودة حياة صحية وتعليمية وترفيهية مناسبة، مجتمع طموح له أهدافه العالية، وتطلعاته المنافسة عالميا، ومنجزاته الواعدة، مجتمع فخور بعمقه الحضاري، وثرائه المعرفي والثقافي، وجذوره الأصيلة. هذا المجتمع هو الذي سينهض بالاقتصاد ويجعله مزهرا، ويحقق واقعية وفاعلية العمل في كل توجهات الدولة، حيث إنه ثروة متجددة ومتنامية تضمن الاستدامة والوصول.


وكي لا يطغى الاهتمام بالاقتصاد والركض اللاهث خلف بناء الأسس المادية والشكلية فتفقد الإنسانية روح وجودها، تبنت السعودية الأسس الأخلاقية في جميع تعاملاتها منذ تأسيسها، وحرصت على الأعمال الخيرية والتطوعية وعرفت به دوليا ومحليا، خاصة وأن عمل الخير وتقديم المعونة ومنفعة الناس عمل إسلامي مهم، وقيمة عربية أصيلة يتمتع بها الشعب السعودي في طباعه النقية.

ولكي يكون هذا العمل الخيري ممنهجًا؛ لم تغفل قيادة الخير عن أن تجعل له أهمية خاصة في الرؤية التي نتخذها خطة طريق الآن لتحقيق مستهدفات، وصلنا لمعظمها بفضل الله، ومكنت القطاع الثالث (غير الربحي) من التحول نحو المؤسسية بتحديد مستهدفات مهمة يصل لها قبل 2030، كارتفاع مساهمته بنسبة 5 % من الناتج المحلي، ورفع نسبة المشروعات التنموية الاجتماعية إلى 33 %، ورفع عدد المتطوعين في مختلف القطاعات والمجالات إلى مليون متطوع.

وليتحقق ذلك ركزت الرؤية على تمكين المسؤولية الاجتماعية، وسمّت المواطن فيها بالمواطن المسؤول، يتحمل المسؤولية في حياته وعمله ومجتمعه، فإن قام الأفراد وما يمثلونه من كيانات بأدوار إيجابية مسؤولة تجاه مجتمعاتهم أصبحوا مساهمين في بناء أوطانهم وتعزيز اقتصاده، ببرامج تنموية واجتماعية وثقافية مؤثرة. وصنعت نماذج يحتذى بها للمسؤولية الاجتماعية وما تقدمه من مساهمات خيرية، وخدمات إنسانية كان أهمها ما أعلن عنه مؤخرا من إطلاق مؤسسة الملك سلمان غير الربحية، ومؤسسة الرياض غير الربحية، وهما أنموذجان مثاليان في تبني إستراتيجيات تقوم على المسؤولية الاجتماعية ورفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي وزيادة عدد المؤسسات غير الربحية وعدد المتطوعين.

ما ستقدمه هاتان المؤسستان غير الربحيتين من بناء لمنظومة الريادة الاجتماعية، والتركيز على الأبحاث الاجتماعية، وتطوير البرامج والمبادرات التي تلبي الاحتياجات الاجتماعية، وترصد مسيرة وعمل الملك سلمان بشكل خاص في أعماله الخيرية، كل هذا وأكثر سيؤكد ضرورة أن تكون المسؤولية الاجتماعية أكثر من عمل أخلاقي وإنساني ديني نشأنا عليه، ونحرص على المبادرة في الانخراط به، بل أن يصبح نهجا إداريا تحرص عليه كل الكيانات تسهم به بفاعلية وتميز، وتصبح شريكا وطنيا في التنمية والاستدامة والعمل الخيري والمواطنة الصالحة.