ومن هذا المنطلق، نوجه رسالة إلى الشباب والشابات، وإلى بعض الشيبان والأمهات الذين عاشوا جزءًا من حياتهم في عصور ما قبل التقنية المتقدمة: علينا أن ندرك أن ما نعتبره اليوم مزاحًا أو لحظات هزلية على وسائل التواصل الاجتماعي قد يتحول غدًا إلى كابوس يلاحقنا في أكثر اللحظات حرجًا. التقنية تحفظ كل شيء، وكل ما يُنشر أو يُشارك اليوم قد يُستدعى في المستقبل. ربما تضحكون الآن، لكن سيأتي اليوم الذي تندمون فيه على تلك اللحظات العابرة التي سجلتموها وشاركتوها عبر الشبكة الرقمية. ستجدون أنفسكم تحاولون التخلص مما وثقتموه بأنفسكم من لحظات طيش أو تهور، فلا تستطيعون لأن التقنية لا تمنح فرصة للنسيان.
إلى من ينشر التفاهات: هل فكرت يومًا كيف سيكون شعورك عندما تواجه ماضيك الرقمي أمام أبنائك؟ تخيل أن ابنك أو ابنتك يسألك: "لماذا قمت بهذا يا أبي؟" أو "يا أمي، لماذا تركتم أثرًا سلبيًا على الإنترنت؟". سيأتي هذا اليوم لا محالة، وستجدون أنفسكم عاجزين عن تقديم أي إجابة، لأن ما اقترفتموه في لحظات الطيش سيصبح جزءًا من ماضيكم الدائم، محفورًا في الذاكرة الرقمية.
وهناك وجه آخر أكثر خطورة، وهو تأثير ماضيكم الرقمي على حياة أبنائكم. في عصر الرقمنة، أصبح من السهل لأي شخص أن يتحقق من الماضي بكبسة زر. قد يأتي اليوم الذي يرغب فيه شاب في التقدم لخطبة ابنتكم، أو فتاة ترغب في الزواج من ابنكم، وفي تلك اللحظة يكفي أن يُكتب اسمك أو اسم زوجتك في محرك البحث ليظهر أمامهم كل شيء عن الأسرة الكريمة. السيد "جوجل" لا ينسى شيئًا، وكل خطأ صغير قمت به في الماضي ووثق قد يظهر للعلن، مما قد يهدد استقرار أسرتك ومستقبل أبنائك. فكيف سيكون شعورك إذا كان ماضيك هو السبب في فشل زواج ابنك أو ابنتك؟ كيف سيكون موقفك عندما يرفض أحدهم الارتباط بسبب "رصيدكم المشحون بالتفاهات"؟
ولا يتوقف الأمر هنا؛ فقد يتعرض أبناؤكم للتنمر بسبب ما وثقتم من لحظات غير محسوبة. سينبش أقرانهم تلك المنشورات أو الصور القديمة التي نشرتموها في لحظات تهور أو بحث عن الشهرة، مما سينعكس سلبًا على نفسياتهم. فهم أول من سيتحمل نتائج ماضيكم الرقمي، وسيذكرونكم بماضيكم الذي تحاولون نسيانه، مما سيؤثر على علاقاتكم مع أبنائكم وينعكس على تربيتهم.
أيها الشباب والشابات، هذا ليس تحذيرًا من استخدام التقنية، بل هو دعوة إلى استخدامها بوعي وحذر، لأن كل ما تفعلونه الآن يُسجل وسيظل موجودًا إلى الأبد. عندما تتقدمون لوظيفة أو ترغبون في الزواج، سيصبح ماضيكم هو أول ما يُبحث عنه. لذلك، أحسنوا استخدام التقنية، وكونوا حذرين في توثيق حياتكم. فأنتم لا تؤسسون لأنفسكم فقط، بل تكتبون فصولًا في حياة أبنائكم المستقبلية.
المستقبل مشرق، وعلينا أن نعد له بحكمة، وأن نكون على وعي بأن ما نفعله اليوم قد يستمر في مطاردتنا طوال حياتنا.