لو سُئلت يوماً هل تريد أن تعيش إلى عمر 120 سنة، معظمنا سيجيب: نعم، ولكن إذا احتفظنا بكامل صحّتنا الجسديّة والعقليّة والنفسانيّة والعاطفيّة. هنالك دائماً الخوف من الأمراض المتعدّدة التي تأتي مع الشيخوخة، ليس أقلّه: تردّي القدرة على الحركة والنسيان/الخرف (Dementia) والأوجاع المختلفة والمتزايدة. لكن هل هذه الأمراض حتميّة؟ وهل صار بالإمكان أن نحيا لعمر طويل ونبقى بصحّةٍ جيدة؟ يبدو أنّ البحوث العلميّة والطبيّة المستجدّة والمتزايدة في هذا المجال، تشير إلى أنّ ذلك لم يعُد مستحيلاً. والجواب يتوقّف، أوّلاً وأخيراً، على المرء ذاته، وكيفيّة إدارته لصحّته وغذائه وحركته وعقله وذاكرته. والدراسات الجديدة تشير إلى أنّ أمراض الشيخوخة ليست حتميّة طبيعيّة بالضرورة؛ وفي الإمكان، من الناحية الحيويّة/ البيولوجيّة تجنّبها ومعالجتها مبكّراً؛ فالشيخوخة في ذاتها أصبحت معترفاً بها كـ"مرض" يُمكن معالجته بالعودة إلى الأسباب الجذريّة الحقيقيّة له، وليس بمعالجة مظاهر عوارضه المتأخّرة. توجّهات في طبّ إطالة العُمر هنالك ثورة طبيّة حقيقيّة تحدث في "التعامل مع الشيخوخة"، وفي التوجّهات لإطالة العمر، غيّرت نظرة العالَم الطبيّة والاجتماعيّة لـ"مرض" الشيخوخة.

وثمّة مقاربات متعدّدة ومتقاطعة في هذا المجال.. من ذلك: - نظريّة "المعلومات" في مرض الشيخوخة، وصاحبها عالِم الوراثة الأسترالي ديفيد أندرو سنكلير - الطبّ الوظائفي/ طبّ المنظومة والشبكة، وصاحبه الطبيب والباحث في علم الطبّ، الأميركي مارك هايمان - طبّ الشيخوخة وله جمعيّة ومؤسّسات ومختبرات خاصّة به - طبّ نمط الحياة Lyfestyle Medicine، وله مؤسّساته ومستشفياته ومساقاته التعليميّة..

وقد أصبح ضروريّاً التعامُل مع "جسم طويل العمر" كوحدة متكاملة - لها مظاهر أمراض مختلفة – يحاول باحثو الطبّ والبيولوجيا الوصول إلى الأسباب الجذريّة Root Cause لتطوّرها وظهور أمراض الشيخوخة فيها، ومعالجة هذه الأسباب قَبل معالجة مظاهرها المرضيّة. والبدء هو في تحديد "دمغات" – Hallmarks – الشيخوخة وقياسها، ثمّ العمل على معالجتها، بما يؤدّي إلى التخفيف/ علاج، كلّ مظاهر الأمراض المزمنة الأخرى.


فجسم الإنسان مثل شبكة العنكبوت المتواصلة لمنظومة بيولوجيّة، تتنوّع الأنظمة والأعضاء فيها، لتضمّ بلايين الخلايا المتنوّعة، بما في ذلك الخلايا الوراثيّة والعصبونات العصبيّة وأجهزة التنفّس... إلخ والأطراف. إنّ معالجة هذه "المنظومة" يُمكن أن يبدأ في أيّ عمر بيولوجي، سواء في الثلاثينات أم في الثمانينات. وإذا كان التشخيص صحيحاً والعلاج مخصَّصاً للشخص بالذّات، فبالإمكان الوصول إلى نتائج مبهرة، ليكون لدينا ذلكم "الإنسان الحيويّ" بعمر الربيع البيولوجي، على الرّغم من أنّه قد يكون في عمر الشيخوخة الزمنيّ.

طبّ إدارة طول العمر Longevity Medicine

طبّ إطالة العمر هو مجموعة من مُمارسات الرعاية الصحيّة والوقائيّة التي ترتكز على المؤشّرات البيولوجيّة لطول العمر - مثل الساعات البيولوجيّة للعمر – من أجل الحفاظ على العمر البيولوجي الصحّي للمريض – وكذلك العمر السيكولوجي – أقرب ما يكون إلى الأداء الأفضل، قدر الإمكان، طالما كان المريض حيّاً. وطبّ الشيخوخة هو من الميادين المتعلّقة بذلك. ويتقدّم هذا الطبّ بسرعة منذ مطلع عشرينيّات قرننا الجاري. وقد سُمّي في العقد الأوّل من هذا القرن "طبّ إدارة طول العمر" وكان يُعتبر أحد فروع الطبّ البديل Alternative Medicine. وقد تمّ الاعتراف به في العام 2007 من طرف الجمعيّة الطبيّة الأميركيّة. ومن الأسماء المتداولة: طبّ ضدّ الشيخوخة Antiaging وطبّ إعادة التوالُد Regenerative. وهذا الميدان من الطبّْ لا يزال موضع جدل، ولا يزال خارج النظام الطبّي الرسمي في مختلف البلدان.

الموادّ التعليميّة لطبّ إطالة العمر وطبّ إطالة العمر هو اختصاصٌ طبّيّ جديد يُركّز على الخصوصيّة الفرديّة للشخص المُعالَج، ويعتمد الوقاية انطلاقاً من مؤشّرات حيويّة للشيخوخة وطول العمر، وهو اختصاص يتطوّر بسرعة، ويشمل علم الشيخوخة والطبّ الوقائي والوظائفي الدقيق. والسبب الرئيس لجهل الأوساط الطبيّة التقليديّة لهذه المؤشّرات يعود إلى غياب المفاهيم التعليميّة المنتظمة وموادّها في علوم الطبّ التقليدي، التي هي مساقات تُفصَّل لجمهورٍ محدَّد يتشكّل أساساً من الأطبّاء التقليديّين ورجال علم التكنولوجيا الحيويّة وأولئك المعنيّين بمهنة الصحّة العامّة.

ومن المتوقّع أن يؤثّر مفهوم إطالة العمر مع استمرار الحيويّة الصحيّة كأولويّة في قطاع العناية الصحيّة، كما سيؤثّر بشكلٍ قويّ على أدوات الوقاية الأوليّة والثانويّة. كما من المتوقّع تطوير مسارات تعليميّة طبيّة عن طبّ إطالة العمر. ويرتكز هذا التطوّر السريع في طبّ إطالة العمر على جَسر الهوّة بين موفّري الرعاية الصحيّة والخبراء متعدّدي الاختصاصات، مثل عِلميّي عِلم الشيخوخة وخبراء الذكاء الاصطناعي وعِلميّي الحاسوب والمعلوماتيّة.

ويحتاج موفّرو الرعاية الصحيّة إلى مساقاتٍ تعليميّة مصمَّمة بشكلٍ مباشر لمُستخدِمٍ محدَّد حول المستجدّات المتسارعة في طبّ إطالة العمر، وكيف يُمكن تطبيق هذه المعرفة بشكلٍ عامّ، بحيث يستطيع موفّرو خدمات الرعاية الصحيّة إدارة مستلزمات المرض من وجهة نظر طبّ إطالة العمر، وبما يشمل عناصر طبّ إطالة العمر الصحيّة على امتداد عمر الإنسان. فالشيخوخة مسيرة معقّدة متعدّدة العوامل قد تؤدّي إلى خسارة الوظائف البيولوجيّة، ما يجعل المرء عرضةً للكثير من الأمراض، وهي عموماً تختلف من شخصٍ لآخر.

إنّ التطوّر السريع في استخدام الطبّ المرتكز على الذكاء الاصطناعي يتطلّب ردوداً من تجمّعات متعدّدة الاختصاصات عالميّة التركيب، لبلْورة مساقاتٍ تعليميّة حول طبّ إطالة العمر. وتَنشط الأجواء الجامعيّة حاليّاً للتعاون مع خبراء الذكاء الاصطناعي لبلْورة مثل هذه المساقات التعليميّة. وبعض الجامعات يُعطي مثل هذه المساقات على الإنترنت. وقد تبلْورت في مثل هذه المساقات نظريّات حول الشيخوخة ومؤشّراتها الحيويّة، ونُظم تقييم صدقيّة المؤشّرات الحيويّة للشيخوخة وغيرها، مثل نُظم قياس العمر البيولوجي.

مؤسّسة علوم إطالة العُمر (LSF) Longevity Science Foundation

هذه المؤسّسة هي مؤسّسة عالميّة لا تبغي الربح، وهي تعمل على تطوير اختصاصات إطالة العمر من خلال تمويل البحث والتطوير للتكنولوجيّات الطبيّة المتعلّقة بإطالة مدّة الحياة البشريّة الصحيّة. وقد اضْطلعت هذه المؤسّسة بدورٍ مهمٍّ في استحداث جمعيّة طبّ إطالة العمر ودعْمها. الطبّ الوظائفيّ Functional Medicine الطبّ الوظائفي هو اختصاص طبّي جديد يرتكز على أنّ جسم الانسان هو مجموعة أنظمة بيولوجيّة مترابطة ومتداخلة، وأنّ أيّة معالجة للأمراض المُزمنة، وبخاصّة تلك المتعلّقة بطول العمر، لا بدّ أن تبدأ في البحث عن الأسباب العميقة الجذريّة Root Causes المؤثّرة على تفاعُل هذه الأنظمة في ما بينها، وليس تحليل المظاهر لكلّ مرض على حدة يُعالِج مظاهر المرض وليس الجذر العميق المتسبِّب به. طبّ نمط الحياة Lyfestyle Medicine يهدف هذا الطبّ إلى أخْذ أنماط الحياة من بواكيرها لضمان الصحّة مع طول العمر، من خلال اعتماد نمط يقوم على الصيغ الأمثل لـ: الغذاء، والنوم، والرياضة البدنيّة والفكريّة، وإدارة التوتّرات، وتنمية العلاقات الاجتماعيّة الأمثل، وبلْورة هدف جوهري ومضمون للحياة. أدوية لإطالة العمر يبقى هنالك الانتشار المتسارع والطريف لِما يُمكن اعتباره "أدوية" ضدّ الشيخوخة والهَرَم البيولوجي مثل راباميسين Rapamycin ومتفورتين Metformin، وهرمونات النموّ Growth Hormone وهذا له بحث علمي آخر.

*كاتب من لبنان

* ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإلكترونية.