تكبر المملكة العربية السعودية عامًا بعد عام في عدد السنوات التي تزيد على عمرها، كما تكبر أكثر في مجالات التطور، وجودة الحياة، والازدهار الاجتماعي، والنمو في الخدمات العامة، وأكثر من ذلك كبر محبتها في أفئدة من فُطر على حبها من شعبها، والمقيمين عليها، ومحبة وتقدير المحيطين بها من جيرة الحدود أو الدين أو المنفعة. وطننا قيمة واتجاهات تتقدم في أعين وقلوب قيادتها وشعبها كتقدمها في العمر، وهي إذ تكبُر و«تحلو»؛ فهي تكبر بذكاء، ذكاء لم يكن وليد صدفة، أو ضربة حظ، أو انتظار فرصة.

الذكاء الذي تكبر به المملكة العربية السعودية التي نشأت منذ تأسيسها على يد المؤسس الكبير الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله- حيث كان بُعد نظره وهو شاب صغير في توحيد أرجاء هذه البلاد تحت راية لا إله إلا الله، وجمع شتاتها في عملية تنموية واجتماعية كبيرة امتدت منذ عهد آبائه وأجداده المؤسسين الأوائل لهذا الوطن، والضاربين في جذور التاريخ قوة وشموخًا، لم يمسه مستعمر ولم ينل منه معتد.

استمرت هذه القفزات الذكية في عمارة المملكة وإرساء سلمها وتنميتها الداخلية، وتعزيز نفوذها ومكانتها الخارجية عاما بعد عام، مع تعاقب أبناء الملك عبد العزيز الملوك الذين اجتمعت على محبتهم والولاء لهم القلوب كإجماعهم على خدمة هذه الأرض الطيبة بمقدساتها، وخيراتها، وثرواتها.


حتى جاء عصر الرؤية الذي ننعم به اليوم، لتختال هذه المملكة الفتية في عامها الرابع والتسعين وشعبها في ظل قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- الذي انطلقت بهما ومعهما إلى تاريخ جديد في عمرها أفضل ما نسميه بأنه عهد من الذكاء في النظر للأمور من زاوية مختلفة، وتسخير الإمكانات لتعزيز الازدهار والتطور الذي اعتادت عليه لمواكبة العالم، بل وتجاوزه في مناحٍ عدة.

تبرز أهم هذه السمات لذكاء العهد الذي نعيش فتيه -عهد رؤية 2030- بشكل مختصر في أهم ما حققته المملكة مؤخرا. ولأن لغة الأرقام كعادتها لغة حيادية منصفة وصادقة؛ فإن ما تظهره المؤشرات الدولية لتقدم المملكة السريع في بعض المجالات تُثبت أننا في الطريق الصحيح لنكمله، وتؤكد أن الصدارة غاية سنحققها بإيماننا برؤى قيادتنا وبإسهامنا الفاعل فيها. آخر هذه المؤشرات ما أعلنه وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله السواحة في السابع عشر من سبتمبر الجاري عن تحقيق المملكة للمركز الرابع دوليا، والأول إقليميا، والثاني على دول مجموعة العشرين في مؤشر الخدمات الرقمية وذلك بعد «قفزة» كبيرة تجاوزت 25 مرتبة في مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الإلكترونية لتكون ضمن الدول الرائدة رقميا حول العالم.

هذا الإعلان الناجح في ارتفاع مؤشر المملكة للخدمات الرقمية جاء بعد أيام من انعقاد القمة الكبرى الثالثة للذكاء الاصطناعي في مدينة الرياض، الذي شارك فيه أكثر من ثلاث مئة متحدث مختص ومسؤول من حول العالم حول موضوعات مختلفة، ركزت فيها بشكل خاص على وضع الأطر والأخلاقيات العامة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوسيع مجالات الاستفادة منه حاليا ومستقبلا.

إن الاهتمام الكبير من المملكة بمجالات الخدمات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، هو اهتمام نبع من صميم رؤية المملكة 2030؛ التي تهدف لجعل المملكة مركزا تقنيا رائدا في عالم التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والتي تقود التحول الوطني الشامل باعتماد التوجه لاقتصاد المعرفة، وتنويع مصادر الدخل وخلق بيئة نموذجية وأخلاقية تؤمن بأهمية علم البيانات والذكاء الاصطناعي واستدامة التعامل معها بطرق أخلاقية ونافعة، وخلق بنى تحتية ومنظومات للتجارب بمستويات عالمية خاضعة للحوكمة والتجويد ونزاهة العمل، تمثلت في عدد من المراكز التي أنشئت في المملكة مؤخرا -كالمركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومركز الاقتصاد المعرفي في جامعة الملك عبد العزيز- أو بعدد من الملتقيات والقمم والمؤتمرات العالمية.

إن علينا في مملكتنا الذكية أن نواكب – كمؤسسات تعليمية وتربوية وثقافية، وأفراد وكيانات اجتماعية- هذه الثورة المعرفية والمعلوماتية الكُبرى تلقّياً، وتعلما وتعاملا أخلاقيا وإنسانيا يُسهم في خدمة وطننا، والقرب من العالم/ الآخر.

كل عام ووطننا الغالي وقيادته الحكيمة في خير وعزة ونماء وذكاء كما اعتدنا عليه وأكثر، يحفه حُبنا وعملنا وإخلاصنا له.