نكاد لا نعرف عن الفلاسفة سوى أفكارهم، ولا نعلم هل هم زاهدون في الدنيا، أم أنهم يختلفون عن سائر البشر؟ وهل ثمة انسجام بين أفكارهم وسلوكهم في الحياة؟ كان أفلاطون من أسرة أرستقراطية عريقة في أثينا، ولذلك لم يكن يحتاج إلى العمل لكسب قوته، فعلاقته بالعالم كانت علاقة تأمل حرّ، وغيرة الكثير مثل سقراط، وابن طفيل، وكيركغارد، الذين يرون أن تعاملهم مع المال وسيلة لا غاية، وذلك كان منسجماً تماماً مع فلسفتهم نظرياً وعملياً.
وعلى الرغم من التحول الكبير في مفهوم الفلسفة في وقتنا الحاضر مع بزوغ مفهوم " الفلاسفة الجدد" ورغم التباين في الاتجاه المجتمعي لهذا النوع من المفهوم بما يُؤدي إلى سيادة أنماط تفكير جماعية، إلى أن ثمة قبولاً ضمنياً للفلسفة يناسب انفتاح وحماس المجتمع على الأقل في الوقت الحالي، الذي يشهد اتساعاً فكرياً وتقبلاً للآخر على اختلاف أشكالهم، وهذا بالضبط ما تُعنى به الفلسفة في عالمنا اليوم، رغم التحديات الجمة التي تواجهها، ويوماً بعد آخر يزداد طوق الحصار حولها، والانسحاب تدريجياً في عصر السرعة وثورة الميديا، ومنصات التواصل الاجتماعي المتعددة.
عام بعد آخر يزداد الاقبال من المهتمين بهذا النوع من العلم على اقتناء كتب الفلسفة، والاطلاع على الكتابات الفلسفية سواء القديمة أو المعاصرة، وأصبح بأمكانهم تبادل الخبرات عبر فضاء الميديا الجديدة، وتجاوز الطرح التقليدي لتناول الفلسفة، إلى التعامل معها بوصفها نمطاً ثقافياً معاصراً، يتصل بالحاضر والمستقبل، وعلى الرغم من أن بعض الانتماءات الفكرية في المجتمع تشكل عائقاً وسبباً أساسياً في تعطيل دراسة الفلسفة، الا أن أطياف المجتمع المتعلم تعي أن هدف الفلسفة هو إدراك الذات وتوسيع المدارك والانفتاح والمرونة، حتى تكون الفلسفة الدواء الذي انتصر به العقل على الخوف والجهل منذ بدء الخليقة.