بالتأكيد أعني هنا بـ«طياراتنا» تلك الطائرات الثلاث التي انطلقت من جدة إلى الرياض لاستخدامها في فعالية ترفيهية -وبدأت قبل أن تبدأ- ضمن موسم الرياض القادم. وهي طائرات اكتسبت صفة الملكية لجميع الشعب السعودي لأنها أصبحت حديثهم، وشاغلهم خلال الأيام الماضية، في رحلة أخذت شكلاً تفاعلياً على عدة مستويات بدل أن تكون عملية نقل لوجستية من مدينة لأخرى؛ وفي ذلك عدة دروس مستفادة نستطيع أن نرصد منها التالي:

إن تحول هذا العمل من مجرد عملية نقل معدات من مكان لآخر إلى «حدث»، يؤكد أهمية وجود المدير الواعي لأي مشروع، بخاصة وأن انتقال عدة طائرات بحجمها الضخم عبر مسافة طويلة وتضاريس مختلفة لا بد أن تكون لافتة للنظر، معرضة للتداول وطرح الآراء. وهذا ما استغله رئيس هيئة الترفيه المستشار تركي آل الشيخ بنجاح ملهم لأهمية استغلال الأحداث التي قد تكون غير عادية ومحفوفة بالأخطار والتحديات، ومعرضة للانتقاد، والتفاعل المبهم وتوجيهها لتكون في مصلحة العمل، وخلق حدث إيجابي آخر مواز لها يفوق العمل الأساسي أهمية وتفاعلًا ورسائل اتصالية مميزة.

كما يعد هذا الاستغلال للانتقال السلس لتلك الطائرات الضخمة من مكان لآخر صورة دعائية فاعلة على مستويين: الأول للشركة الناقلة وما تملكه من إمكانات وقدرات للمشاركة في هذه العملية الناجحة التي انتهت أول من أمس، وتصبح علامة تسويقية لها لفترة طويلة من الزمن. والآخر صورة ترويجية فريدة لمختلف المدن والمحافظات والقرى والهجر التي تمتد على طول الطريق الذي سلكته الطائرات من جدة إلى الرياض، وتعريف الجمهور لهذا الحدث المتمثل في المواطنين والمقيمين على جزء يسير من المساحات الشاسعة الغنية بالتضاريس المختلفة، والمكونات الإنسانية المتمايزة، والعادات والتقاليد الفريدة. فتصبح رحلة الطائرات ترويجية سياحية وجغرافية وتاريخية يُمكن التوسع فيها بعدة طرق علمية وإنسانية.


هذه الرحلة التي أخذتنا فيها الطائرات في ترويج سياحي للمسافة المرسومة سلفاً من جدة إلى الرياض توضح أيضاً السلاسة التي تمتد فيه شبكة الطرق التي تعد الأولى عالمياً في مؤشر ترابط الطرق، وهو الخبر الذي كان توقيته مناسباً للترويج له عبر حساب هيئة الطرق الرسمي، وهو ما يعزز كفاءة العمليات اللوجيستية للنقل والتي تأتي الطائرات المرتحلة إحداها، وكانت مدخلاً فاعلاً للإعلان عن المعرض والقمة السعودية للبنية التحتية التي ستستضيفها المملكة الأسبوع القادم، يشارك فيها أكثر من سبعين متحدثاً من عشرات الدول لاستعراض الحلول المبتكرة للبنى التحتية.

وبين المهارات القيادية والرسائل الإعلانية، والحملات الترويجية والتسويقية المباشرة وغير المباشرة، تُظهر «طياراتنا» أجمل ما في هذا الحدث، وأهم قوة تمتلكها هذه البلاد، وأغلى مكون يمتد عبر كل مساحاتها، وهم الشعب السعودي، المتفاعل بطبعه وثقته في قيادته مع أي حدث وطني، والمبتكر في صور تفاعله الإيجابي الذي شارك فيه الكبار والصغار، النساء والرجال. والمتصدي بهذا التفاعل العفوي المدهش في بعض تفصيلاته لكل الهجمات العدائية التي السلبية والمغرضة والتافهة التي تتدخل في شأن يخص السعوديين وقيادتهم ومشاريعهم «وطائراتهم»!