ولذلك فإننا سنقبل من أجل نتيجة البحث المحايدة أن يُقَدَّم البحث بعنوان محايد، يدل على أن الباحث رجل سوف يستقرئ أصول الفقه، ثم يعرض عليها فروع الفقه السلفي- إن كان هناك فقه مختص بالسلفيين- ليخرج لنا بالنتيجة، لكن الرجل لم يرض إلا أن يبدأ بإدانة السلفية ثم يعرض ما حكاه السلفيون على إدانته تلك، ولا شك حينذاك أن النتيجة ستصبح باطلة حقاً لأنها لم تتأسس على أصول صحيحة.
وما إجازة مجلس قسم أصول الفقه ومجلس كلية الشريعة بطنطا لهذا العنوان إلا استمرار لما أسميه منهج العداء المحض للسلفية، وأقول منهجاً محضاً، لأنه عداء لا مبرر له إذ إننا قد عهدنا الأزهر قبل عشر سنوات فقط يحتوي على أساتذة بل وعلى مديرين سلفيين أو متأثرين بشكل كبير جداً بالسلفية، فتجدهم يُفتون بحرمة الاستغاثة بالمقبورين، ويذمون الرقص في المساجد باسم الموالد أو باسم الحضرات أو باسم الذكر، وعدد أكبر كانوا لا ينكرون علو الباري على خلقه، ولا يردون ما خالف عقيدة الأشعري من الأحاديث الصحيحة، فكان الأزهر بهذا قريباً جداً من السلفية وكذلك قريب من السلفيين، لا يمنعهم من التخرج منه أياً كانت آراؤهم، ولا يمنعهم من التدريس فيه، ولنا ممن نعرف أساتذة سلفيون دَرَّسُوا في الأزهر أو في كلياته بل وفي معاهده أيضاً، فما الذي جد حديثاً! وقبل عامين تقريباً، رُدَّت رسالة في التفسير بعد المناقشة لكون صاحبها السعودي كان سلفياً، وقد كَتَبْتُ عن ذلك في وقته.
وهذه الآن الحادثة الثانية بعد تلك الحادثة، وهو ما أعرفه، فهل هناك حوادث أخر أجهلها؛ أرجو ألا يكون، لكن هذه النفسية التي أُعْلِن عن المناقشة بها قد تكون دليلاً على أحداث كثيرة من هذا الجنس لم تصل إلينا، وهي ولا شك أحداث مؤسفة على العِلْم أولاً ثم على العلاقات بين جامعة الأزهر والسلفيين عامة، في مصر وفي السعودية وفي سائر العالم العربي والإسلامي.
كما أنها تَحْرِفُ الأزهر عن وجهته التي تَوَجَّه لها منذ أكثر من خمسين عاماً، وهي وجهة المحبة والود الذي بذلته هذه الجامعة العريقة،إلى وُجهة العسكرة في صف المراكز الدولية في نيويورك وواشنطن وبريطانيا، وأعني تلك المراكز التي جُنِّدت لحرب السلفية بطاقتِها الكبرى، فأصبح أكثر هذرها عن دعاواهم في مساوئ السلفية، وتُجند لذلك من المشرق والمغرب، من يكتب ومن يقرأ ومن يمثل ومن يغني، وها هو الأزهر يَنْحَى منحى أخشى أن يضعه على طريقهم، أو في مصافهم.
ثم ما قصة المخالفة للدلائل الأصولية؟
أما نحن السلفيين فلا نُجِيز مخالفة الدلائل الأصولية المعتبرة التي اتفقت عليها المذاهب الأربعة أو اختلفت فيها، فلا نجيز لأحدهم أن يأتي بأصل جديد ليس عليه دليل من الأدلة المعتبرة في الكتاب والسنة، وأعني بالأصل الدليل الإجمالي كالقياس والاستصحاب وقول الصحابي، ولكننا نجيز الاجتهاد لمن قدر عليه معتمداً على أصل صحيح سواء أوافق المذاهب الأربعة أو وافق غيرها من مذهب سفيان الثوري أو ابن عيينة أو ابن سيرين أو غيرهم من الأعيان الأعلام المشهورين بالفقه والفتوى وكانوا معروفين بالسنة والتقوى والورع.
وهذا أمر معلوم مُقَرٌ عند العلماء إلا أن الأزهر يُقِر أيضاً المذاهب البدعية، فهل يأخذون بها حال مخالفتها لما عليه الأئمة، الله أعلم، وقد قالت لجنة البحث في هيئة كبار العلماء في الأزهر «المذاهب الإسلامية الفقهية ليست الأربعة فقط، الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، بل إن المدون منها ضعف الأربعة أي ثمانية، الظاهري والزيدي والجعفري والإباضي» كُتَيِّب «نقض دعوى بطلان اجتهاد من خالف الأئمة الأربعة» صفحة 8.
وهذا الكُتَيِّب، طبع على طرته: هدية هيئة كبار العلماء. على أن هذا الكتيب يجيز العمل باجتهاد جميع الأئمة، وطبع سنة 1441 فهل سيُنَبِّهُ الطالبُ إلى ذلك، أم هو منتقض على هذا القرار من الهيئة! على الأزهر أن يدافع عن نفسه ولا يجعل قرارات هيئة كبار العلماء فيه تذهب أدراج الرياح، والله أعلم.