ما بين مدينة ريتشموند الأمريكية وبين بعض مدننا تكمن مسافة، التربية التي تتلقاها الشعوب المختلفة وتؤثر في تصديها للظواهر والممارسات السيئة والخاطئة. في الشهور الماضية كانت تأتيني رسائل من أهالي المنطقة الشرقية وتحديدا من مدينة الدمام يشتكون فيها من الغرامات الخاصة بالمواقف في بعض الأسواق التجارية والأساليب الفجة التي تتعاطى بها الشركة الخاصة بالمواقف مع أصحاب المركبات. وهنا أعترف أني لم أشعر بمعاناتهم حتى حصل لي ما حصل لهم، في الحقيقة تجربة مواقف أسواق الدمام تذكرني بتلك التي عشتها في ريتشموند بولاية فرجينيا الأمريكية، ولكنها اتخذت منحى مختلفًا يحمل في طياته دروسًا عن النظام وفي طرق تعاملها مع المخالفات وتطبيق القوانين. وإليكم القصة، ذات يوم وفي أثناء تسوقي في أحد الأسواق التجارية بالدمام قررت أن أوقف سيارتي في المواقف الخاصة لدقائق معدودة لأقضي بعض مشاغلي، خرجت من السيارة قاصدا الجهاز الخاص بالمواقف لدفع الرسوم ووجدته معطلا، قصدت بعدها الجهاز الآخر فوجدته معطلا هو الآخر!، الأمر الذي جعلني أبحث عن التطبيق الإلكتروني، فوجدته في حالة تحديث يبدو أن القدر حينها لم يكن في صفي في ذلك اليوم، شعرت بأنني أضيع الدقائق أمام تلك الأجهزة المعطلة، يئست ولم يعد لدي رغبة في شراء حاجاتي، وعند عودتي، لم أصدق عيني عندما رأيت الوينش يسحب سيارتي بعيدًا. أوقفت المراقب؛ وغرمني بمبلغ 600 ريال، دون أن يُتاح لي المجال للمناقشة أو توضيح الموقف. لم أنل أي فرصة للتعبير، وقال لي كلمته الجاهزة والمعولبة بكل ثقة «روح اشتكي»! قفزت إلى ذهني وقتها تجربتي مع المخالفات في ولاية فرجينيا وتحديدا في مدينة ريتشموند، هذه المدينة التي تتميز بوجود بوابات تُعد بمثابة الحدود الفاصلة بين المناطق، حيث يتوجب على سائقي المركبات دفع رسوم للدخول بين المناطق المختلفة في المدينة. الغريب أني لم أنتبه للبوابات لأن الشارع نفسه مقسم إلى مسارين، مسار سريع لا يوجد به بوابات وهو لحاملي البطاقات السنوية ومسار آخر للدفع الكاش، بالنسبة لي، كان هذا نظامًا جديدًا وغير مألوف. اعتقدت أنني سأستمتع بالتنقل بحرية بين أرجاء المدينة، وكنت دائمًا ما اتخذ المسار السريع وهنا تحدث معي أحد الأصدقاء بعد عدة أيام من المرور بين المناطق قال لي انتبه هناك غرامات كونك من غير حاملي البطاقة تصل في كل لحظة دخول أو خروج إلى ألف دولار، وهناك كاميرات ترصد كل المركبات المارة، لا أخفيكم شعرت وقتها بإحباط، قال لي صديقي لا تستعجل، فالمسؤولون هنا يتفهمون الأمر، وبالفعل توجهت إلى مكتب إدارة المواقف لشرح وضعي. كان لنقاشي مع المسؤولين أثر كبير، حيث استمعوا لي بجدية وتفهم، وتم إنهاء الموضوع بطريقة ودية وفي ظرف دقائق تم إلغاء المخالفات المرصودة، وقد كان ذلك بمثابة تخفيف همّ عظيم عن كاهلي. إن كلتا التجربتين، على الرغم من اختلافهما، إلا أنها تحمل دروسًا قيمة أهمها، أن النظام دائمًا ما يراعي ظروف الأفراد، وأن حق التواصل والاستماع هو من أهم الحقوق الأساسية، وقتها قررت العودة للرسائل المتراكمة في جوالي عن شكاوى المواقف، وجدت أحدهم يتحدث عن الأرقام الفلكية في عالم المخالفات 400 ريال و600 ريال، هذه المبالغ تجاوزت المخالفات المرورية ! الآخر يتحدث بأنه استمر بالشكوى مع البلدية والأمانة دون جدوى وعن أرقام التواصل المجانية يردون ويستمعون، وبالنهاية تأتيك الرسالة تم قفل البلاغ ! والآخر يقول في كل مكان هناك مدة ربع ساعة للجميع إلا هذه المواقف التي تتحين الفرصة لاصطيادك حتى قبل خروجك من سيارتك! ختاما: عندما كنت سائحا في أمريكا سكنت هذه التجربة ذاكرني، ولكن ماذا لو كان هناك سائح أجنبي جاء لزيارة المدينة وحصل معه الموقف ذاته، ماذا سيقول عنا ؟ وكيف سينظر لنا ؟! أتمنى إعادة النظر في شركات المواقف، ورسومها، وأهمية الرقابة عليها، ووضع عقوبات لها في حال حصول شكاوى من المواطنين أو السياح. اليوم تعتبر سمعتنا هي رأس مالنا في جذب جميع أشكال وأنواع السياحة.