انتهت جولة أخرى من المفاوضات بين إيران ودول مجموعة 5+1 التي حدثت في موسكو وأنتجت خيبة أمل جديدة وموعدا جديدا للقاء الخبراء، ولكن ما هو مهم أن العقوبات النفطية سوف تطبق قريبا، وهو موضوع تتم مناقشته كثيرا بين الإيرانيين أكثر من المحادثات النووية.
الإيرانيون العاديون لم يعودوا يثقون بالمحادثات النووية وبأن اقتصاد بلادهم سوف يتحسن. الاقتصاد الذي يعاني من مشاكل كثيرة أثر كثيرا على أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط وحول انتباههم عن مواضيع كثيرة. الناس هذه الأيام يكافحون لسد الفجوة بين دخلهم وبين تكاليف المعيشة، وما يهمهم من المحادثات النووية هو معرفة ما إذا كان وضعهم سيتحسن قريبا أم لا. الحكومة تتظاهر أن الجميع سعداء وأن الحياة طبيعية في إيران، لكن الناس الذين يعيشون داخل البلد وحدهم يستطيعون أن يشهدوا على مدى الصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها.
المعاناة من الاقتصاد السيئ وجه واحد من الصورة، أما الوجه الآخر فهو الإحباط من استعادة علاقات إيران مع المجتمع الدولي وحتى مع جيرانها، بسبب السلوك العدائي للحكومة التي ترى أن الآخرين يشكلون تهديدا محتملا لأمنها القومي، وتقوم بتوسيع هذا المفهوم ليشمل المواطنين أيضا.
في بداية كل صيف يبدأ كابوس الناس من احتمال حدوث مواجهات بين النساء وبين الشرطة الإسلامية حول قواعد اللباس في الأماكن العامة. قد يبدو الأمر مضحكا، لكن الحاجة لاستخدام الحافلة وعربات النقل المتوسطة تزداد في الصيف عندما تريد الحكومة إفراغ الناس من شوارع طهران والمدن الرئيسية الأخرى فتنقل المئات منهم إلى الحافلات التي تكون في الانتظار. الحافلات المليئة بالشباب والشابات تنقلهم إلى مقرات قيادة الحرس الثوري وتوجه إليهم تهمة إساءة السلوك في أماكن عامة.
بهذه الصورة يهدد النظام الشباب الإيرانيين تحت سن الثلاثين والذين تبلغ نسبتهم 60% من عدد السكان في المدن الرئيسية. وفيما يتعلق بالسياسة، ليس الأمر ببساطة قواعد اللباس. جراح الناس الذين تظاهروا ضد النظام في صيف 2009 لم تندمل بعد. المشاهد التي لا تنسى للمحتجين وصداماتهم مع شرطة مكافحة الشغب لا تزال حية في حياة الإيرانيين. لا يهم ماذا حقق الإيرانيون أو لم يحققوا من حركتهم تلك، المهم أنهم أكدوا قدرتهم على التجمع والتنظيم بسرعة. أحد الأسباب التي جعلت الناس في إيران يتوقفون عن التظاهر، في رأيي، هو موقفهم غير العنيف الذي يجعلهم يفضلون تجنب المواجهات العنيفة مع النظام.
من الأمور المفاجئة هذه الأيام احتمال ترشيح حسن الخميني للانتخابات الرئاسية القادمة في إيران. إذا صدقت تلك الأنباء فإنها ستكون مفاجأة وتحديا حقيقيا لنظام الجمهورية الإسلامية. حسن الخميني هو حفيد الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية، وهو أحد المعارضين للنظام منذ الانتخابات الرئاسية الماضية. علاقاته مع الإصلاحيين وتأييده لزعيم المعارضة مير حسين موسوي جعلا له شعبية بين الإصلاحيين. حسن الخميني ليس له أي سجل خدمة عامة ويفتقر إلى الخبرة، بالإضافة إلى كونه شابا لم يتجاوز الـ35 من العمر، لكن حقيقة بما أن الإصلاحيين أجبروا على الابتعاد عن الحياة السياسية في هذه المرحلة فإن خلفيته تعني الكثير بالنسبة للإصلاحيين. المشكلة هي أن افتقاره لسجل خدمات في الحياة العامة وافتقاره للخدمة وصغر سنه جميعها عوامل قد تجعل "مجلس صيانة الدستور" يرفض المصادقة على ترشحه للرئاسة، لكن ذلك الرفض بحد ذاته قد يكون له أثر كبير على الرأي العام في إيران. وسواء كان حسن الخميني هو المرشح الأول لهم أم لا، فقد قرر الإصلاحيون العودة إلى الحياة السياسية بقوة وأن يقدموا مرشحا للانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل. ليس من الواضح بعد من هم المرشحون المحافظون ومن هم الأشخاص الذين يرغب أحمدي نجاد في ترشيحهم لانتخابات الرئاسة، لكن من المؤكد أن الأمر سيعود في النهاية إلى المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي، والذي سيحاول بالتأكيد البحث عن رئيس أقل إثارة للجدل وأكثر انصياعا لتعليماته من أحمدي نجاد.. مثل هذه المواصفات لا تنطبق على رئيس البرلمان الحالي لاريجاني ولا على محافظ طهران غليباف، لأنهما تحت الضوء ويمتلكان شخصيتين مستقلتين. وبغض النظر عن مدى تقاربهما مع المرشد الأعلى فإن استقلالية كل منهما وطريقة تفكيره ليست مهارات جيدة بالنسبة للمرشد الأعلى. آية الله خامنئي يحتاج إلى رئيس لا يستطيع أن يمثل تحديا له ولسلطاته، رئيس لن يلقي خطابا قبل أن يوافق المرشد الأعلى على محتوياته، رئيس لن يرفع إصبعه إذا طلب منه خامنئي أن ينزلها. مثل هذه المواصفات لا تنطبق حاليا إلا على أحد أقرباء خامنئي وعضو البرلمان الحالي حداد عادل، الذي يعتبر لعبة حقيقية في يد المرشد الأعلى.
إذا قرر الشعب الإيراني في هذه المرحلة الصعبة أن يؤيد مرشحا غير الذي سيختاره ويدعمه المرشد الأعلى للثورة وحشد طاقاته في هذه المواجهة فإننا قد نكون على أبواب مرحلة جديدة في من الجمهورية الإسلامية. ترشيح السيد حسن الخميني للانتخابات الرئاسية سيكون تحديا كبيرا في مواجهة المرشد الأعلى آية الله خامنئي.