وطرح كثيرون أسئلة عدة حول من هو المسؤول، وهل هو سائق الباص المتكاسل عن التأكد من خلو الباص من الأطفال؟، أم المدرسة التي يفترض بها التواصل مع الأهل وإبلاغهم بغياب الطالب في وقت مبكر، أم الأهل الذين لا يتابعون أمر وصول ابنهم للمدرسة والتيقن من وصوله إليها بأمان؟، أم هي منظومة النقل للحافلات المدرسية التي يفترض بها اتخاذ إجراءات وتدابير وقائية مع رقابة مستمرة على سائقيها لضمان سلامة الأطفال من طلاب المدارس ورياض الأطفال؟
سيناريو متكرر
لا تعد حادثة وحديث نسيان طفل في حافلة مدرسة قصة جديدة، بل هي سيناريو متكرر على مدى سنوات، إن لم يكن بخصوص وفاة طالب في الحافلة، فهو لحادثة نجاة طفل منها، والمشترك بينهما النسيان والغفلة.
وكثيرًا ما تناقلت الأخبار أنباء عن وفيات لأطفال منسيين داخل الحافلات المدرسية فقدوا حياتهم بسبب هبوط الدورة الدموية، أو الاختناق داخل الحافلة، خصوصًا إذا ما تصادفت الحادثة مع وقت الصيف الحار حيث تصبح الحرارة خانقة داخل الحافلات المغلقة، هذا عدا أخبار الأطفال الذين نجوا بأعجوبة من حوادث مشابهة.
تصور مرعب
حين يستودع الأهل أبناءهم لدى سائق حافلة المدرسة فإنهم يتوقعون أن يعود إليهم مع نهاية اليوم الدراسي محملًا بأحاديث لا تنتهي عن المدرسة وزملاء الصف وحكايات المعلمين وتوصياتهم، ولا يرد إلى أذهانهم أبدا أنهم لن يستقبلوا أطفالهم العائدين للمنزل، بل سيستقبلون فقط أنباء مفارقتهم للحياة.
هذا التصور أثار رعب أولياء الأمور، وأشاع كثيرًا من القلق على مستوى أمان النقل المدرسي سواء النقل الرسمي منه، أو النقل الخاص، وعليه كانت ردود الأفعال برفع المطالبات المجتمعية للتشديد على أهمية تفتيش المركبة من قبل سائقها، والتأكد من خلوها من أي طالب، إذ أن حوادث وفيات الأطفال وما وثقته العدسات ونقله المشاهدون عن نسيان الأطفال، كما هو حال تصوير حادثة النسيان الأخيرة نهاية الشهر الماضي، تنطوي على إشارات جادة حول وضع سائقي النقل المدرسي الذين يخضعون إلى تنظيمات حازمة على مستوى المملكة، وهو ما يفرض أن يتحمل كل طرف مسؤوليته تجاه الطلبة من صغار السن تحديدًا الذين يجهلون كيفية التصرف في مثل هذه المواقف.
الثالوث الأساسي
يقول عيسى العيد، وهو والد لطفل يدرس في المدرسة ويستخدم النقل المدرسي «على مستوى تعليمي نجد أن مدارس المنطقة الشرقية وحدها تحتضن نصف مليون طالب وطالبة في جميع المراحل، ومن حقنا كأولياء أمور، ومن حق أبنائنا أن يشعروا بالثقة في ذهابهم وعودتهم آمنين، وهذا يحتاج إلى تعاون الثالوث الأساسي (الأهل، المدرسة، سائق الحافلة) لضمان سلامة الطالب، بحيث تكون عملية ذهاب وعودة الطالب منظمة أكثر.
ولفت إلى أنه «لدينا نحن الأهالي خيارات عدة للنقل المدرسي، وعلينا اختيار الأنسب، ليس فقط على مستوى مادي، بل بما يضمن سلامة أبنائنا».
وأوضح «هناك النقل المدرسي الرسمي، وهو تحت مسؤولية وزارة التعليم برسوم لا تتجاوز الـ200 ريال في السنة الواحدة»، منوهًا إلى أن هذا النقل لا يلقى إقبالًا كبيرًا من قبل الأهالي بسبب مدة التوصيل التي قد تستغرق وقتا أطول مما لو كان النقل مع سائق خاص، كما يوجد خيار النقل الخاص إما مع أحد أقارب الطالب أو ولي أمره، أو مع سائق خاص، وهناك من يختار حافلات صغيرة لنقل الأبناء وهي أسرع في توصيل الطفل من النقل الرسمي، وإن كانت بتكلفة أعلى منه».
وعلق «في كل طريقة من هذه الطرق يبقى جانب الإهمال موجودًا إذا ارتبط بشخص غير مؤهل وليس على قدر عال من المسؤولية، لذلك فإن اختيار السائق الأجدر بهذا العمل هو مهمة الأهالي أولًا، ومنظومة النقل إذا كان الناقل رسميا ثانيًا».
خطوات احترازية
من جانبها، ذكرت الأم سكينة عبدالله أن «أخبار حوادث نسيان الطفل ينبغي أن تكون مؤشرات تحذيرية للأهالي»، ونصحت بأن يقوم ولي الأمر بتدريب ابنه على كيفية التصرف في حال وقوعه في موقف كهذا، والأهم من ذلك أن يكون هناك رابط تواصل مستمر بين الأهل والسائق كأن يكون رقم الجوال مسجلاً لدى كليهما، وتتم المتابعة بالتأكد من استلام وتسليم الطفل من وإلى ذويه بأمان، كما ينبغي أن يكون ولي الأمر متابعا مهتما أكثر بتفاصيل الغياب والحضور لطفله.
وعلقت «كثيرًا ما نشهد خروج أمهات أو أباء من قروبات تواصل المدرسة رغم أهميتها، ولعل من أبرز مهامها إيصال رسالة لولي الأمر بتغيب ابنه، وبالتالي يكون جسر التواصل مفتوحًا لضمان وصول الطالب إلى المدرسة بأمان، أما في حال وصلته الرسالة وهو متيقن من أنه قام بتسليم ابنه للحافلة فعليه أن يتدارك الأمر بسرعة التواصل مع السائق لمعرفة وضع الطفل».
واستدركت «كم من طفل نجا بسبب هذه الخطوة التي لا يلقي لها البعض بالًا».
خطورة النسيان
بدوره، حذر المسعف مصطفى أحمد من خطورة نسيان الطفل في الحافلة أو المركبة، وقال «يتسبب نسيان الأطفال في مركبات مغلقة خاصة في حر الصيف بخطورة كبيرة على حياة الطفل، بداية مع ضربة الشمس التي تصحبها أعراض الدوخة، والغثيان، وارتفاع حرارة الجسم، الاختناق، التعرق، ومن ثم عدم شدة خفقان ضربات القلب، وصعوبة التنفس التي تصل به للوفاة، هذا في وقت قد يكون الخوف عاملًا كافيًا لارتباك وتوتر الطفل، ومن ثم زيادة الخفقان مما يؤدي به إلى التشنج».
وأضاف إن «الحادثة الأخيرة التي انتشرت عن نسيان طفل في «باص المدرسة» وإنقاذه في اللحظات الأخيرة حين صادف مرور موظف شركة نجم بالقرب من الحافلة بعد مرور ساعات على تركه محبوسًا فيها، ستترك حتمًا أثرًا نفسيًا مؤلمًا في حياته قد لا ينساه أبدًا. تلك الحوادث يتوقع حدوثها إذا تساهل الأهالي وسائقي الحافلات بالأمر، وينتج عن ذلك حوادث مؤلمة، أو حوادث أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تكشف حجم الإهمال والاستهتار بحياة أطفالنا، ما يستلزم مزيدًا من الاهتمام والتشديد الرقابي على سائقي الحافلات وإدارات المدارس والروضات».
توعية وإرشادات
يذكر الناشط الاجتماعي فاضل الشعلة أن تكرار الحوادث المؤسفة لنسيان الأطفال في الحافلات، خصوصًا في السنوات الثلاث الأخيرة، منهم من نجا، ومنهم من لقي ربه رحمهم الله، دفعه لتقديم فيلم توعوي قصير بعنوان «تيت» بهدف تعزيز الوعي بسلامة الأطفال في الحافلات المدرسية، والتي تعد مسؤولية مشتركة بين المدرسة والأهل وحتى المجتمع، وتضمن الفيلم القصير إرشادات للسلامة.
واقترح «يفضل مرافقة الأطفال خلال فترة انتظار الحافلة صباحًا للتأكد من صعودهم، وحتى انتظار عودتهم، والتأكد من وقت الحضور والانصراف من جداول المدرسة الإدارية، كما يفضل أن يكون هنالك مشرفون في الحافلات، فإن غاب عن السائق فكرة التفتيش يقوم المشرف بهذه المهمة، مع التأكد من أسماء الطلبة ومغادرة كل منهم للحافلة».
وأكمل «المهمة الإشرافية والرقابية ذات أهمية عالية جدًا، وتسهم في الحد من مثل هذه الحوادث، لذلك فإن وجود المشرفين أو المشرفات مع السائق هو أبسط الحلول وأفضلها».
ضحايا النسيان
لم تقتصر هذه الحوادث المؤسفة على منطقة بعينها في المملكة، بل توزعت على عدد من المناطق التي فجعت بخسارة أرواح صغارها بسبب الإهمال وغياب الرقابة وعدم التنظيم.
وتذكر «الوطن» من تلك الحوادث على سبيل المثال:
* حادث الطفلة خولة آل محمد حسين التي نُسيت في حافلة مدرسة في سيهات في أكتوبر من عام 2011.
* في أبريل 2016 توفي الطفل «نواف السلمي» البالغ من العمر 6 سنوات داخل حافلة للنقل المدرسي متعاقدة مع مدرسة عالمية في مدينة جدة، متأثرًا بهبوط حاد في الدورة الدموية
* ومثل السلمي، كان حال الطفل عبدالملك العوض الذي توفي مختنقًا في حافلته بعد نسيانه فيها في أكتوبر من ذات العام 2016 في مدينة جدة أيضًا.
* في عام 2017، وفي محافظة صبيا بمنطقة جازان عُثر على الطفل يامن خواجي (4 سنوات) متوفيًا بين المقاعد بسبب نسيان السائق له.
* في العام الذي تلاه 2018 قضى الطفل عبدالعزيز المسلم نحبه مختنقًا في حافلة النقل المدرسي بعد أن تأخرت إدارة المدرسة في إبلاغ ولي الأمر بغياب الابن، وذلك في مدينة القطيف.
* في أكتوبر من 2022 توفي الصغير حسن الشعلة من سكان القطيف في المنطقة الشرقية أيضًا بسبب نسيان الطفل في حافلة الروضة.
لائحة تنظيم
آخذة بهذه الاعتبارات، وضعت هيئة النقل معايير واشتراطات أساسية من خلال اللائحة المنظمة للنقل التعليمي لضمان سلامة الطلاب والطالبات، ولعمل السائقين في مجال النقل المدرسي سواء الرسمي أو ذاك الذي يعملون فيه السائقون لحسابهم أيضًا.
asf
شروط لائحة النقل التعليمي
ـ أن يكون السائق سعودي الجنسية
ـ حاصلًا على رخصة قيادة مناسبة
ـ أن تكون مركبته مستوفية للمواصفات المعتمدة
ـ ألا يقل عمره عن 25 عامًا
ـ أن يكون السائق حاصلًا على دورة في الإسعافات الأولية
ـ أن يجتاز الفحص الطبي
ـ أن يجتاز اختبار الكفاءة المهنية
ـ أن يجتاز الدورات الأخرى التي تحددها هيئة النقل
ـ أن يستخرج بطاقة تشغيل للمركبة
ـ أن يستخرج بطاقة سائق
ـ يجب الارتباط بأنظمة الهيئة والأنظمة التي تتطلبها الجهات الأخرى